للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال الموقعون للثَّلاث (١): الكلام معكم في مقامين، أحدهما: تحريم جمع الثَّلاث. والثَّاني: وقوعها جملةً ولو كانت محرَّمةً. ونحن نتكلَّم معكم في المقامين.

فأمَّا الأوَّل، فقد قال الشَّافعيُّ وأبو ثورٍ وأحمد بن حنبلٍ في إحدى الرِّوايات عنه وجماعةٌ من أهل الظَّاهر: إنَّ جمع الثَّلاث سنَّةٌ، واحتجُّوا عليه بقوله تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: ٢٣٠]، ولم يُفرِّق بين أن تكون الثَّلاث مجموعةً أو مفرَّقةً، ولا يجوز أن يُفرَّق بين ما جمع الله بينه، كما لا يُجمَع بين ما فرَّق بينه. وقال تعالى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} [البقرة: ٢٣٧]، ولم يفرِّق. وقال: {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ} الآية [البقرة: ٢٣٦]، ولم يفرِّق. وقال: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: ٢٤١]، وقال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} [الأحزاب: ٤٩]، ولم يفرِّق.

قالوا: وفي «الصَّحيحين» (٢) أنَّ عُوَيمرًا (٣) العَجْلاني طلَّق امرأته ثلاثًا بحضرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبلَ أن يأمره بطلاقها. قالوا: فلو كان جمع الثَّلاث معصيةً لما أقرَّ عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا يخلو طلاقها أن يكون قد وقع وهي امرأته، أو حين حرمت عليه باللِّعان. فإن كان الأوَّل فالحجَّة منه ظاهرةٌ، وإن كان الثَّاني فلا شكَّ أنَّه طلَّقها وهو يظنُّها امرأتَه، فلو كان حرامًا لبيَّنها له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإن كانت قد حرمتْ عليه.


(١) د، ص: «الثلاث».
(٢) أخرجه البخاري (٥٢٩٥، ٥٣٠٨) ومسلم (١٤٩٢) من حديث سهل بن سعد.
(٣) د، ص: «عويمر».