للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الآخر، بل الأيمان المذكورة هي في كتاب اللَّه، وكتاب الله عزَّ وجل حكمُه الذي حكم به بين المتلاعنين، وأراد - صلى الله عليه وسلم -: لولا ما مضى من حكم الله الذي فَصَل بين المتلاعنين لكان لي ولها (١) شأنٌ آخر.

قالوا: وأمَّا قولكم: إنَّ قاعدة الشَّريعة استقرَّت على أنَّ الشَّهادة في جانب المدَّعي واليمين في جانب المدَّعى عليه، فجوابه من وجوهٍ:

أحدها: أنَّ الشَّريعة لم تستقرَّ على هذا، بل قد استقرَّت في القَسامة بأن يُبدأ بأيمان المدَّعين (٢)، وهذا لقوَّة جانبهم باللَّوث، وقاعدة الشَّريعة أنَّ اليمين تكون من جَنْبة أقوى المتداعيين، فلمَّا كان جانب المدَّعى عليه قويًّا بالبراءة الأصليَّة شُرِعت اليمين في جانبه، فلمَّا قوي جانبُ المدَّعي في القسامة باللَّوث كانت اليمين في جانبه، وكذلك على الصَّحيح لمَّا قوي جانبه بالنُّكول صارت اليمين في جانبه، فيقال له: احلِفْ واستحقَّ. وهذا من كمال حكمة الشَّارع (٣) واقتضائه للمصالح بحسب الإمكان، ولو شُرِعت اليمين في جانبٍ واحدٍ دائمًا لذهبت قوَّة الجانب الرَّاجح هدرًا، وحكمة الشَّارع تأبى ذلك، فالَّذي جاء به هو غاية الحكمة والمصلحة.

وإذا عُرِف هذا، فجانب الزَّوج هاهنا أقوى من جانبها، فإنَّ المرأة تُنكر زناها وتشتهيه (٤)، والزَّوج ليس له غرضٌ في هَتْك حرمته وإفساد فراشه


(١) في المطبوع: «لكان لها».
(٢) م، د، ز، ب: «المدعيين».
(٣) م: «الشرع».
(٤) كذا في ص، د، ز، ب. وفي م: «تسبيهه» وفي هامشها: لعلها «وتستره». وفي المطبوع: «وتبهته».