للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحدِّ ثلاثةً لم يجعلا فيها اللِّعان.

قالوا: وأيضًا فهذه لم يتحقَّق زناها، فلا يجب عليها الحدُّ؛ لأنَّ تحقُّق زناها إمَّا أن يكون بلعان الزَّوج وحده، لأنَّه لو تحقَّق به لم يسقط بلعانها الحدُّ، ولَمَا وجب بعد ذلك حدٌّ على قاذفها، ولا يجوز أن يتحقَّق بنكولها أيضًا؛ لأنَّ الحدَّ لا يثبت بالنُّكول، فإنَّ الحدَّ يُدرأ بالشُّبهات، فكيف يجب بالنُّكول، فإنَّ النُّكول يحتمل أن يكون لشدَّة خَفَرِها (١)، أو لعُقْلةِ لسانها، أو لِدَهَشها في ذلك المقام الفاضح المُخْزِي، أو لغير ذلك من الأسباب، فكيف يثبت الحدُّ الذي اعتُبِر في بيِّنته من العدد ضِعفُ ما اعتُبِر في سائر الحدود، وفي إقراره أربع مرَّاتٍ بالسُّنَّة الصَّحيحة الصَّريحة، واعتُبِر في كلٍّ من الإقرار والبيِّنة أن يتضمَّنَ وصفَ الفعل والتَّصريحَ به، مبالغةً في السَّتر، ودفعًا لإثبات الحدِّ إلَّا (٢) بأبلغ الطُّرق وآكدِها، وتوسُّلًا إلى إسقاط الحدِّ بأدنى شبهةٍ، فكيف يجوز أن يُقضى فيه بالنُّكول الذي هو في نفسه شبهةٌ، لا يُقضى به في شيءٍ من الحدود والعقوبات البتَّةَ، ولا فيما عدا الأموال؟

قالوا: والشَّافعيُّ - رحمه الله - لا يرى القضاء بالنُّكول في درهمٍ فما دونه، ولا في أدنى تعزيرٍ، فكيف يَقْضِي به في أعظم الأمور وأبعدها ثبوتًا وأسرعها


(١) الخفر: شدة الحياء. وكتب في هامش م: لعله «نفرها». وهو خطأ.
(٢) «إلَّا» ليست في المطبوع.