للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولكنَّ هذا أشدُّ تناقضًا من الأوَّل؛ لأنَّ أصحاب القول الأوَّل (١) جَرَوا على القياس والأصول في تقديم قرابة الأب على قرابة الأمِّ، وخالفوا ذلك في أمِّ الأمِّ وأمِّ الأب، وهؤلاء تركوا القياس في الموضعين، وقدَّموا القرابة الَّتي أخَّرها الشَّرع، وأخَّروا القرابة الَّتي قدَّمها، ولم يُمكِنْهم تقديمُها في كلِّ موضعٍ، فقدَّموها في موضعٍ وأخَّروها في غيره مع تساويهما. ومن ذلك تقديم الشَّافعيِّ في الجديد الخالةَ على العمَّة مع تقديمه الأختَ للأب على الأخت للأمِّ، وطرد قياسه في تقديم أمِّ الأمِّ على أمِّ الأب، فوجب تقديمُ الأخت للأمِّ والخالة على الأخت للأب (٢) والعمَّة. وكذلك من قدَّم من أصحاب أحمد الخالةَ على العمَّة، وقدَّم الأختَ للأب على الأخت للأمِّ، كقول القاضي وأصحابه وصاحب «المغني»، فقد تناقضوا.

فإن قيل: الخالة تُدلِي بالأمِّ، والعمَّة تُدلِي بالأب، فكما قُدِّمت الأمُّ على الأب قُدِّم من يُدلِي بها، ويزيده بيانًا كونُ الخالة أمًّا، كما قال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فالعمَّة بمنزلة الأب.

قيل: قد بيَّنَّا أنَّه لم تُقدَّم الأمُّ على الأب لقوَّة الأمومة وتقديم هذه الجهة، بل لكونها أنثى، فإذا وُجِد عمَّةٌ وخالةٌ فالمعنى الذي قُدِّمت له الأمُّ موجودٌ فيهما، وامتازت العمَّة بأنَّها تُدلِي بأقوى القرابتين، وهي قرابة الأب، والنَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - قضى بابنة حمزة لخالتها، وقال: «الخالة أمٌّ» حيث لم يكن لها مُزاحمٌ من أقارب الأب تُساويها في درجتها.


(١) «الأول» ساقطة من د.
(٢) «فوجب ... للأب» ساقطة من د، ص.