للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بقي النَّظر فيما نحن فيه من شأن التَّخيير، هل لوصف الذُّكورية تأثيرٌ في ذلك فيُلْحَق بالقسم الذي يُعتبر فيه، أو لا تأثير له فيُلْحَق بالقسم الذي يُلغى فيه؟ فلا سبيلَ إلى جعلها من القسم المُلغى فيه وصف الذُّكورية؛ لأنَّ التَّخيير هاهنا تخيير شهوةٍ، لا تخيير رأيٍ ومصلحةٍ؛ ولهذا إذا اختار غير من اختاره أوَّلًا نُقل إليه، فلو خُيِّرت البنت أفضى ذلك إلى أن تكون عند الأب تارةً، وعند الأمِّ أخرى، فإنَّها كلَّما شاءت الانتقال أُجِيبتْ إليه، وذلك عكس ما شُرِع للإناث من لزوم البيوت، وعدم البروز، ولزوم الخدور وراء الأستار، فلا يليق بها أن تُمكَّن من (١) خلاف ذلك. وإذا كان هذا الوصف معتبرًا قد شهد له الشَّرع بالاعتبار لم يمكن إلغاؤه.

قالوا: وأيضًا فإنَّ ذلك يفضي إلى أن لا يبقى الأب مُوكَّلًا بحفظها، ولا الأمُّ لتنقُّلِها بينهما، وقد عُرِف بالعادة أنَّ ما يتناوب النَّاسُ على حفظه ويتواكلون فيه فهو (٢) إلى ضياعٍ، ومن الأمثال السَّائرة: «لا تَصلُح القِدْر بين طبَّاخَينِ» (٣).

قالوا: وأيضًا فالعادة شاهدةٌ بأنَّ اختيار أحدهما يُضعِف رغبة الآخر فيه بالإحسان إليه وصيانته، فإذا اختار أحدهما ثمَّ انتقل إلى الآخر لم يبقَ أحدهما تامَّ الرّغبة في حفظه والإحسان إليه.

فإن قلتم: فهذا بعينه موجودٌ في الصَّبيِّ، ولم يَمنع ذلك تخييرَه.


(١) ح: «يمكن بين»، تحريف.
(٢) بعدها في المطبوع: «آيل». وليست في النسخ. والمعنى مفهوم بدونها.
(٣) ذكره شيخ الإسلام في «جامع المسائل» (٣/ ٤١٧). وقد اعتمد المؤلف عليه في هذه الفقرة وما بعدها.