للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلنا: صدقتم، لكن عارضه كونُ القلوب مجبولةً على حبِّ البنين واختيارِهم على البنات، فإذا اجتمع نقصُ الرَّغبة ونقصُ الأنوثية وكراهةُ البنات في الغالب= ضاعت الطِّفلة، وصارت إلى فسادٍ يَعسُر تلافيه، والواقع شاهدٌ بهذا، والفقه (١) تنزيل المشروع على الواقع.

وسرُّ الفرق أنَّ البنت تحتاج من الحفظ والصِّيانة فوقَ ما يحتاج إليه الصَّبيُّ؛ ولهذا شُرع في حقِّ الإناث من السِّتر والخَفر ما لم يُشرع مثله للذُّكور في اللِّباس وإرخاء الذَّيل شِبْرًا أو أكثر، وجَمْعِ نفسها في الرُّكوع والسُّجود دون التَّجافي، ولا تُرجِّع (٢) صوتَها بقراءةٍ، ولا تَرمُل في الطَّواف، ولا تتجرَّد في الإحرام عن المَخِيط، ولا تَكشِف رأسها، ولا تسافر وحدها. هذا كلُّه مع كبرها ومعرفتها، فكيف إذا كانت في سنِّ الصِّغر وضعف العقل الذي يقبل فيه الانخداع (٣)؟ ولا ريبَ أنَّ تردُّدها بين الأبوين ممَّا يعود على المقصود بالإبطال، أو يُخِلُّ به، أو يَنقُصه؛ لأنَّها لا تستقرُّ في مكانٍ معيَّنٍ، فكان الأصلح لها أن تُجعَل عند أحد الأبوين من غير تخييرٍ، كما قاله الجمهور مالك وأبو حنيفة وأحمد وإسحاق، فتخييرها ليس منصوصًا عليه، ولا هو في معناه فيُلْحَق به.

ثمَّ هاهنا حصل الاجتهاد في تعيين أحد الأبوين لمقامها عنده وأيُّهما أصلح لها، فمالك وأبو حنيفة وأحمد في إحدى الرِّوايتين عنه عيَّنوا الأمَّ،


(١) ح: «والقصة»، تحريف.
(٢) في المطبوع: «ولا ترفع» خلاف النسخ.
(٣) النسخ: «الانخلاع»، ولا معنى له هنا. وسيأتي بعد صفحتين مثل ما أثبتناه.