للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

للمضطرِّ بعوضه، فلم يتَّفق أخذُه حتَّى زال الاضطرار، ولم يعط صاحبه العوض، أنَّه يُلزِمه بالعوض ويُلزِم صاحب الطَّعام ببذله له، والقريب يستحقُّ النَّفقة لإحياء مهجته، فإذا مضى زمن الوجوب حصل مقصود الشَّارع من إحيائه، فلا فائدة في الرُّجوع بما فات من سبب الإحياء ووسيلته مع حصول المقصود والاستغناء عن السَّبب بسببٍ آخر.

فإن قيل: فهذا ينتقض عليكم بنفقة الزَّوجة، فإنَّها تستقرُّ بمضيِّ الزَّمان ولو لم تُفرض، مع حصول هذا المعنى الذي ذكرتموه بعينه.

قيل: النَّقض لا بدَّ أن يكون بمعلوم الحكم بالنَّصِّ أو الإجماع، وسقوط نفقة الزَّوجة بمضيِّ الزَّمان مسألة نزاعٍ، فأبو حنيفة وأحمد في روايةٍ يُسقِطانها، والشَّافعيُّ وأحمد في الرِّواية الأخرى لا يُسقِطانها. والَّذين أسقطوها (١) فرَّقوا بينها وبين نفقة القريب بفروقٍ (٢):

أحدها: أنَّ نفقة القريب صلةٌ.

الثَّاني: أنَّ نفقة الزَّوجة تجب مع اليسار والإعسار، بخلاف نفقة القريب.

الثَّالث: أنَّ نفقة الزَّوجة تجب مع استغنائها بمالها، ونفقة القريب لا تجب إلا مع إعساره وحاجته.

الرَّابع: أنَّ الصَّحابة أوجبوا للزَّوجة نفقة ما مضى، ولا يُعرف عن أحدٍ منهم قطُّ أنَّه أوجب للقريب نفقةَ ما مضى، فصحَّ عن عمر - رضي الله عنه - أنَّه كتب إلى أمراء الأجناد في رجالٍ غابوا عن نسائهم، فأمرهم بأن ينفقوا أو يطلِّقوا،


(١) في المطبوع: «لا يسقطونها» خلاف النسخ.
(٢) م، ح: «بفرقين».