للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن طلَّقوا بعثوا بنفقة ما مضى (١)، ولم يخالف عمرَ في ذلك مخالفٌ منهم. قال ابن المنذر (٢): هذه نفقةٌ وجبت بالكتاب والسُّنَّة والإجماع، ولا يزول ما وجب بهذه الحجج إلا بمثلها.

قال المسقطون: قد شكت هند إلى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّ أبا سفيان لا يعطيها كفايتها، فأباح لها أن تأخذ في المستقبل قدرَ الكفاية، ولم يُجوِّز لها أخْذَ ما مضى.

وقولكم: إنَّها نفقة معاوضةٍ، فالمعاوضة إنَّما هي بالصَّداق، وإنَّما النَّفقة لكونها في حبسه، فهي عانيةٌ عنده كالأسير، فهي من جملة عياله، ونفقتها مواساةٌ، وإلَّا فكلٌّ من الزَّوجين يحصل له من الاستمتاع مثل ما يحصل للآخر، وقد عاوضها على المهر، فإذا استغنتْ عن نفقة ما مضى فلا وجهَ لإلزام الزَّوج به. والنَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - جعل نفقة الزَّوجة كنفقة القريب بالمعروف وكنفقة الرَّقيق، فالأنواع الثَّلاثة إنَّما وجبت بالمعروف مواساةً لإحياء نفسِ من هو في ملكه وحبسه، ومن بينه وبينه رحمٌ وقرابةٌ، فإذا استغنى عنها بمضيِّ الزَّمان فلا وجه لإلزام الزَّوج بها، وأيُّ معروفٍ في إلزامه نفقتَه لما مضى وحبسِه على ذلك والتَّضييقِ عليه وتعذيبِه بطول الحبس، وتعريضِ الزَّوجة لقضاء أوطارِها من الدُّخول والخروج وعِشْرة الأخدان بانقطاع زوجها عنها وغيبة نظره (٣) عليها كما هو الواقع؟ وفي ذلك من الفساد المنتشر ما لا يعلمه إلا اللَّه، حتَّى إنَّ الفروج لَتَعِجُّ إلى الله من حَبْسِ حُماتِها ومن يصونها عنها،


(١) أخرجه عبد الرزاق (١٢٣٤٧) وابن المنذر في «الأوسط» (٩/ ٦٥) وغيرهما.
(٢) كما في «المغني» (١١/ ٣٦٧). ولم أجده في كتب ابن المنذر.
(٣) م، د: «نظيره».