للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والثَّانية: روى ابن وهب عن عبد الرَّحمن بن أبي الزِّناد عن أبيه قال: شهدتُ عمر بن عبد العزيز يقول لزوجِ امرأةٍ شكتْ إليه أنَّه لا يُنفِق عليها: اضرِبوا له أجلَ شهرٍ (١) أو شهرين، فإن لم ينفق عليها إلى ذلك الأجل فرِّقوا بينه وبينها (٢).

والثَّالثة: ذكر ابن وهب عن ابن لهيعة عن محمد بن عبد الرحمن أنَّ رجلًا شكا إلى عمر بن عبد العزيز بأنَّه أنكحَ ابنتَه رجلًا لا يُنفِق عليها، فأرسل إلى الزَّوج، فأتى، فقال: أَنكحَني وهو يعلم أنَّه ليس لي شيءٌ، فقال عمر: أنكحتَه وأنتَ تعرفه؟ (٣) فما الذي أصنع؟ اذهَبْ بأهلك (٤).

والقول بعدم التَّفريق مذهب أهل الظَّاهر كلِّهم، وقد تناظر فيها مالك وغيره فقال مالك (٥): أدركتُ النَّاس يقولون: إذا لم ينفق الرَّجل على امرأته فُرِّق بينهما. فقيل له: قد كانت الصَّحابة يُعسِرون ويحتاجون، فقال مالك: ليس النَّاس اليوم كذلك؛ إنَّما تزوَّجتْه رجاءً.

ومعنى كلامه: أنَّ نساء الصَّحابة كنَّ يُرِدن الدَّار الآخرة وما عند اللَّه، ولم يكن مرادهنَّ الدُّنيا، فلم يكُنَّ يبالين بعُسْر أزواجهنَّ؛ لأنَّ أزواجهنَّ كانوا كذلك. وأمَّا النِّساء اليوم فإنَّما تزوَّجن رجاءَ دنيا الأزواج ونفقتهنّ


(١) كذا في النسخ ومصدر التخريج. وفي المطبوع: «أجلًا شهرًا».
(٢) «المحلى» لابن حزم (١٠/ ٩٤).
(٣) بعدها في المطبوع زيادة: «قال: نعم، قال». وليست في النسخ ومصدر التخريج.
(٤) «المحلى» لابن حزم (١٠/ ٩٥)، وابن وهب ممن حدث عن ابن لهيعة قبل اختلاطه.
(٥) كما في «المحلى» (١٠/ ٩٥) و «الفروع» (٨/ ٢٦٢).