للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فسخت، وهو يُشرِّع الأحكام عن الله بأمره، فهَبْ أنَّ الأزواج تركن حقَّهنَّ، أفما كان فيهنَّ امرأةٌ واحدةٌ تطالب بحقِّها؟ وهؤلاء نساؤه - صلى الله عليه وسلم - خير نساء العالمين يطالبنه بالنَّفقة حتَّى أغضبنه، وحلف أن لا يدخل عليهنَّ شهرًا من شدَّة مَوجِدتِه عليهنَّ، فلو كان من المستقِرِّ في شرعه أنَّ المرأة تملك الفسخ بإعسار زوجها لَرُفِع إليه ذلك ولو من امرأةٍ واحدةٍ، وقد رُفِع إليه ما ضرورتُه دون ضرورةِ فَقْد النَّفقة (١) من فقد النِّكاح، وقالت له امرأة رِفاعة: إنِّي نكحتُ بعد رفاعةَ عبد الرحمن بن الزَّبير وإنّما معه مثلُ هُدْبةِ الثَّوب (٢). تريد أن يُفرِّق بينه وبينها. ومن المعلوم أنَّ هذا كان فيهم في غاية النُّدرة بالنِّسبة إلى الإعسار، فما طلبت منه امرأةٌ واحدةٌ أن يُفرَّق بينها وبين زوجها بالإعسار.

قالوا: وقد جعل الله الفقر والغنى مَطيَّتينِ (٣) للعباد، فيفتقر الرَّجل الوقتَ ويستغني الوقتَ، فلو كان كلُّ من افتقر فُسِخت عليه امرأته لعمَّ البلاء وتفاقم الشَّرُّ، وفُسِخت أنكحةُ أكثر العالم، وكان الفراق بيد أكثر النِّساء، فمن الذي لم تُصِبْه عُسرةٌ ويُعوِز النَّفقة أحيانًا؟

قالوا: ولو تعذَّر من المرأة الاستمتاعُ بمرض متطاولٍ وأَعسرتْ بالجماع لم يُمكَّن الزَّوجُ من فسخ النِّكاح، بل يوجبون عليه النَّفقة كاملةً مع إعسار زوجته بالوطء، فكيف يُمكِّنونها من الفسخ بإعساره عن النَّفقة الَّتي غايتها أن تكون عوضًا عن الاستمتاع؟


(١) «النفقة» ليست في ز.
(٢) أخرجه البخاري (٢٦٣٩)، ومسلم (١٤٣٣) من حديث عائشة - رضي الله عنها -.
(٣) م، ز: «مظنتين».