للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قالوا: وأمَّا حديث أبي هريرة فقد صرَّح فيه بأنَّ قوله: «امرأتك تقول: أَنفِقْ عليَّ وإلَّا طلِّقني» من كِيْسه، لا من كلام النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -. هكذا في «الصَّحيح» (١) عنه، ورواه عنه سعيد بن أبي سعيدٍ وقال (٢): ثمَّ يقول أبو هريرة إذا حدَّث بهذا الحديث: امرأتك تقول، فذكر الزِّيادة.

وأمَّا حديث حمَّاد بن سلمة عن عاصم بن بهدلة عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بمثله (٣)، فأشار إلى حديث يحيى بن سعيدٍ عن سعيد بن المسيَّب في الرَّجل لا يجد ما ينفق على امرأته، قال: يُفرَّق بينهما (٤) = فحديثٌ منكرٌ لا يحتمل أن يكون عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أصلًا، وأحسنُ أحواله أن يكون عن أبي هريرة موقوفًا، والظَّاهر أنَّه رَوى بالمعنى، وأراد قول أبي هريرة: «امرأتك تقول: أطعِمْني أو طَلِّقْني». وأمَّا أن يكون عند أبي هريرة عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّه سئل عن الرَّجل لا يجد ما ينفق على امرأته فقال: يفرَّق بينهما= فواللَّه ما قال هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا سمعه أبو هريرة ولا حدَّث به، كيف وأبو هريرة لا يستجيز أن يروي عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: «امرأتك تقول: أطعمني وإلَّا طلِّقني»، ويقولُ: هذا من كيس أبي هريرة، لئلَّا يتوهَّم نسبته إلى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -.

والَّذي تقتضيه أصول الشَّريعة وقواعدها في هذه المسألة: أنَّ الرَّجل إذا غَرَّ المرأة بأنَّه ذو مالٍ فتزوَّجتْه على ذلك، فظهر مُعدِمًا لا شيء له، أو كان ذا


(١) تقدم تخريجه (ص ٨٠).
(٢) كما رواه البيهقي في «السنن الكبرى» (٧/ ٤٦٦).
(٣) رواه الدارقطني (٣٧٨١) وقد تقدم (ص ١٠٧).
(٤) المصدر نفسه (٣٧٨٢) وقد تقدم (ص ١٠٧).