للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الظَّنَّ لا تُعارَض به السُّننُ الثَّابتة، قال الله تعالى: {إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} [يونس: ٣٦]. وشتَّانَ بين احتجاج أم سلمة - رضي الله عنها - بظنِّها وبين احتجاج عائشة - رضي الله عنها - بالسُّنَّة الثَّابتة، ولهذا لمَّا قالت لها عائشة: أما لكِ في رسول الله أسوةٌ حسنةٌ، سكتت أم سلمة، ولم تَنطِقْ بحرفٍ، وهذا إمَّا رجوعٌ منها (١) إلى مذهب عائشة، وإمَّا انقطاعٌ في يدها.

قالوا: وقول سهلة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: كيف أُرضِعه وهو رجلٌ كبيرٌ؟ بيانٌ جليٌّ أنَّه بعد نزول الآيات المذكورات.

قالوا: ونعلم يقينًا أنَّه لو كان ذلك خاصًّا بسالم لقطعَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - الإلحاقَ، ونصَّ على أنَّه ليس لأحدٍ بعده، كما بيَّن لأبي بُردة بن نِيَارٍ أنَّ جَذَعَتَه تَجزي عنه، ولا تَجزِي عن أحدٍ بعده (٢). وأين يقع ذبح جَذَعةٍ أضحيَّةً من هذا الحكم العظيم المتعلِّق به حِلُّ الفرج وتحريمه، وثبوت المَحْرَميَّة, والخلوة بالمرأة والسَّفر بها؟ فمعلومٌ قطعًا أنَّ هذا أولى ببيان التَّخصيص لو كان خاصًّا.

قالوا: وقول النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّما الرَّضاعة من المَجَاعة» (٣) حجَّةٌ لنا؛ لأنَّ شرب الكبير للَّبن يُؤثِّر في دفع مجاعته قطعًا، كما يُؤثِّر في الصَّغير أو قريبًا منه.

فإن قلتم: فما فائدة ذكره إذا كان الكبير والصَّغير فيه سواءً؟


(١) «منها» ليست في المطبوع.
(٢) أخرجه البخاري (٥٥٥٧)، و مسلم (١٩١٦) من حديث البراء بن عازب - رضي الله عنه -.
(٣) تقدم تخريجه (ص ١٥٨).