الثَّالث: أنَّ عائشة نفسها روت هذا وهذا، فلو كان حديث سهلة منسوخًا لكانت عائشة قد أخذتْ به وتركت النَّاسخ، أو خفي عليها تقدُّمُه مع كونها هي الرَّاوية له، وكلاهما ممتنعٌ أو في غاية البعد.
الرَّابع: أنَّ عائشة ابتُلِيَتْ بالمسألة، وكانت تعمل بها، وتناظر عليها، وتدعو إليها صواحباتها، فلها بها مزيدُ اعتناءٍ، فكيف يكون هذا حكمًا منسوخًا قد بطلَ كونُه من الدِّين جملةً، ويخفى عليها ذلك، ويخفى على نساء النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فلا تذكره لها واحدةٌ منهنَّ؟
المسلك الثَّاني: أنَّه مخصوصٌ بسالم دون من عداه، وهذا مسلك أم سلمة ومن معها من نساء النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ومن تبعهنَّ. وهذا المسلك أقوى ممَّا قبله، فإنَّ أصحابه قالوا ممَّا يبيِّن اختصاصه بسالم أنَّ فيه: أنَّ سهلة سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد نزول آية الحجاب، وهي تقتضي أنَّه لا يحلُّ للمرأة أن تُبدِيَ زينتها إلا لمن ذُكر في الآية وسُمِّي فيها، ولا يُخَصُّ من عموم من عداهم أحدٌ إلا بدليلٍ.
قالوا: والمرأة إذا أرضعتْ أجنبيًّا فقد أبدتْ زينتها له، فلا يجوز ذلك تمسُّكًا بعموم الآية، فعلمنا أنَّ إبداء سهلة زينتَها لسالم خاصٌّ به.
قالوا: وإذا أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واحدًا من الأمَّة بأمرٍ، أو أباح له شيئًا أو نهاه عن شيءٍ، وليس في الشَّريعة ما يعارضه= ثبت ذلك في حقِّ غيره من الأمَّة ما لم ينصَّ على تخصيصه. وأمَّا إذا أمر النَّاس بأمرٍ، أو نهاهم عن شيءٍ، ثمَّ أمر واحدًا من الأمَّة بخلاف ما أمر به النَّاس، أو أطلق له ما نهاهم عنه، فإنَّ ذلك يكون خاصًّا به وحده. ولا نقول في هذا الموضع: إنَّ أمره للواحد أمرٌ للجميع،