للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والتَّحديد، ومنه قرأتُ القرآن؛ لأنَّ قارئه يُظهِره ويُخرِجه مقدارًا محدودًا لا يزيد ولا ينقص، ويدلُّ عليه قوله تعالى: {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} [القيامة: ١٧]، ففرِّق بين الجمع والقرآن، ولو كانا واحدًا لكان تكريرًا محضًا. ولهذا قال ابن عبَّاسٍ: {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} [القيامة: ١٨]، فإذا بيَّنَّاه (١)، فجعل قراءته نفسَ إظهاره وبيانه، لا كما زعم أبو عبيدة (٢) أنَّ القرآن مشتقٌّ من الجمع، ومنه قولهم (٣): ما قَرأتْ هذه النَّاقة سَلًى قطُّ، وما قَرأتْ جنينًا، هو من هذا الباب، أي ما ولدتْه وما أخرجتْه وأظهرتْه. ومنه: فلانٌ يُقرِئك ويُقرِئ عليك السَّلامَ، هو من الظُّهور والبيان. ومنه قولهم: قرأت المرأة حيضةً أو حيضتين، أي: حاضتهما؛ لأنَّ الحيض ظهور ما كان كامنًا، كظهور الجنين. ومنه: قَرْء الثُّريَّا، وقَرْء الرِّيح, وهو الوقت الذي يُظهِر المطر والرِّيح، فإنَّهما يظهران في وقتٍ مخصوصٍ، وقد ذكر هذا الاشتقاق المصنِّفون في كتب الاشتقاق، وذكره أبو عمرو وغيره (٤)، ولا ريب أنَّ هذا المعنى في الحيض أظهر منه في الطُّهر.

قولكم: إنَّ عائشة قالت: القروء الأطهار، والنِّساء أعلم بهذا من الرِّجال.

فالجواب أن يقال: من جعل النِّساء أعلمَ بمراد الله من كتابه وأفهمَ لمعناه من أبي بكرٍ الصِّدِّيق، وعمر بن الخطَّاب، وعليِّ بن أبي طالبٍ، وعبد الله بن مسعودٍ، وأبي الدَّرداء، وأكابر أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ ونزولُ


(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١/ ٩٠) وابن أبي حاتم (١٩٦٠٢).
(٢) في «مجاز القرآن» (٢/ ٢٧٨).
(٣) ص، د، ز: «قوله».
(٤) انظر: «لسان العرب» و «تاج العروس» (قرأ).