للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصل

الحكم الخامس: أنَّه لا يجوز وطؤها قبل وضع حملها، أيَّ حملٍ كان، سواءٌ كان يلحق بالواطئ، كحمل الزَّوجة والمملوكة والموطوءة بشبهة، أو لا يلحق به، كحمل الزَّانية، فلا يحلُّ وطء حاملٍ من غير الواطئ البتَّةَ، كما صرَّح به النَّصُّ، وكذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يَسقِي ماءه زَرْعَ غيرِه» (١)، وهذا يعمُّ الزَّرعَ الطَّيِّب والخبيثَ. ولأنَّ صيانة ماء الواطئ عن الماء الخبيث حتَّى لا يختلط به أولى من صيانته عن الماء الطَّيِّب. ولأنَّ حمْلَ الزَّاني وإن كان لا حرمة له ولا لمائه، فحملُ هذا الواطئ وماؤه محترمٌ، فلا يجوز له خلطه بغيره. ولأنَّ هذا مخالفٌ لسنَّة الله في تمييز الخبيث من الطَّيِّب، وتخليصِه منه، وإلحاقِ كلِّ قسمٍ بمجانسه ومشاكله.

والَّذي يُقضى منه العجب تجويزُ من جوَّز من الفقهاء الأربعة العقدَ على الزَّانية قبل استبرائها ووَطْأَها عقيبَ العقد، فتكون اللَّيلةَ عند الزَّاني وقد عَلِقَتْ منه، واللَّيلة الَّتي تليها فراشًا للزَّوج. ومن تأمَّل كمال هذه الشَّريعة علم أنَّها تأبى ذلك كلَّ الإباء، وتمنع منه كلَّ المنع.

ومن محاسن مذهب الإمام أحمد قدَّس الله روحه أن حرَّم نكاحها بالكلِّيَّة حتَّى تتوب، ويرتفع عنها اسم الزَّانية والبغيِّ والفاجرة، فهو - رحمه الله - لا يُجوِّز أن يكون الرَّجل زوجَ بغيٍّ. ومنازعوه يُجوِّزون ذلك. وهو أسعدُ منهم في هذه المسألة بالأدلَّة نصًّا كلِّها، من النُّصوص والآثار، والمعاني والقياس، والمصلحة والحكمة، وتحريم ما رآه المسلمون قبيحًا. والنَّاس إذا بالغوا في


(١) تقدم تخريجه (ص ٣٧٢).