قالوا: ولأنَّه لمَّا لم ينجس بجَزِّه في حال حياة الحيوان بالإجماع، دلَّ على أنَّه ليس جزءًا من الحيوان وأنَّه لا روحَ فيه؛ لأنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال:«ما أُبِينَ من حيٍّ فهو ميِّتٌ». رواه أهل السُّنن (١).
ولأنَّه لا يتألَّم بأخذه، ولا يُحسُّ بمسِّه، وذلك دليل عدم الحياة فيه. وأمَّا النَّماء فلا يدلُّ على الحياة الحيوانيَّة الَّتي يتنجَّس الحيوان بمفارقتها، فإنَّ مجرَّد النَّماء لو دلَّ على الحياة ونَجِسَ المحلُّ بمفارقة هذه الحياة لتنجَّسَ الزَّرعُ بيُبْسِه، لمفارقة حياة النُّموِّ والاغتذاء له.
قالوا: فالحياة نوعان: حياة حسٍّ وحركةٍ، وحياة نموٍّ واغتذاءٍ، فالأولى هي الَّتي يُؤثِّر فَقْدُها في طهارة الحيِّ دون الثَّانية.
قالوا: واللَّحم إنَّما ينجس لاحتقان الرُّطوبات والفَضَلات الخبيثة فيه، والشُّعور والأصواف بريئةٌ من ذلك، ولا ينتقض بالعظام والأظفار لما سنذكره.
قالوا: والأصل في الأعيان الطَّهارة، وإنَّما يطرأ عليها التَّنجيس باستحالتها، كالرَّجيع المستحيل عن الغذاء، وكالخمر المستحيل عن العصير وأشباهها، والشُّعورُ في حال استحالتها كانت طاهرةً، ثمَّ لم يَعرِض لها ما
(١) أخرجه أحمد (٢١٩٠٣) وأبو داود (٢٨٥٨) ــ ومن طريقه البيهقي في «السنن الكبرى» (١/ ٢٣) ــ والترمذي (١٤٨٠) والحاكم (٤/ ٢٣٩) من حديث أبي واقد الليثي، وقال الترمذي: «هذا حديث حسن غريب». وقد روي عن أبي سعيد وابن عمر، وأخرجه عبد الرزاق (٨٦١١) عن معمر عن زيد بن أسلم مرسلًا، واختلف في وصله وإرساله، ورجَّحَ إرساله أبو زرعة كما في «العلل» لابن أبي حاتم (١٤٧٩) والدارقطنيُّ في «العلل» (١١٥٢، ٢٢٧٣).