للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في النَّهي عن بيع ما ليس عنده، فهو بيع غررٍ ومخاطرةٍ، وكذلك الصَّدقات قبل قبضها، وإذا كان النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الطَّعام قبل قبضه (١) مع انتقاله إلى المشتري، وثبوتِ ملكه عليه، وتعيينه (٢) له، وانقطاع تعلُّق حقِّ غيره به= فالمغانم والصَّدقات قبل قبضها أولى بالنَّهي. وأمَّا ضربة الغائص فغررٌ ظاهرٌ لا خفاء به.

وأمَّا بيع اللَّبن في الضَّرع، فإن كان معيَّنًا لم يُمكِن تسليم المبيع بعينه، وإن كان بيعَ لبنٍ موصوفٍ في الذِّمَّة فهو نظير بيع عشرة أقفزةٍ مطلقةٍ من هذه الصُّبرة. وهذا النَّوع له جهتان: جهة إطلاقٍ وجهة تعيينٍ، ولا تَنافِيَ بينهما، وقد دلَّ على جوازه نهيُ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أن يُسلم في حائطٍ بعينه إلا أن يكون قد بدا صلاحه، رواه الإمام أحمد (٣). فإذا أسلم إليه في كيلٍ معلومٍ من لبن هذه الشَّاة وقد صارت لَبونًا جاز، ودخل تحت قوله: «ونهى عن بيع ما في ضروعها إلا بكيلٍ أو وزنٍ» (٤)، فهذا إذنٌ لبيعه بالكيل والوزن معيَّنًا ومطلقًا؛ لأنَّه لم يفصل، ولم يشترط سوى الكيل والوزن، ولو كان التَّعيين شرطًا لذكره.

فإن قيل: فما تقولون لو باعه لبنَها أيَّامًا معلومةً من غير كيلٍ ولا وزنٍ؟

قيل: إن ثبت الحديث لم يجزْ بيعه إلا بكيلٍ أو وزنٍ، وإن لم يثبت وكان


(١) أخرجه البخاري (٢١٢٦) ومسلم (١٥٢٥) من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما -.
(٢) ص، د، ز: «تعينه».
(٣) تقدم تخريجه (ص ٥٠٤).
(٤) تقدم تخريجه قريبًا.