للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والمقصود أن أبا جعفر الرازي صاحب مناكير، لا يحتجُّ بما تفرَّد به أحدٌ من أهل الحديث البتة. ولو صح لم يكن فيه دليلٌ على هذا القنوت المعيَّن البتة، فإنه ليس فيه أن القنوت هو الدعاء؛ فإنَّ «القنوت» يطلق على القيام، والسكوت، ودوام العبادة، والدعاء، والتسبيح، والخضوع، كما قال تعالى: {وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ} [الروم: ٢٦]، وقال تعالى: {(٨) أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ} [الزمر: ٩]. وقال تعالى: {وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ} [التحريم: ١٢]. وقال - صلى الله عليه وسلم -: «أفضل الصلاة طول القنوت» (١). وقال زيد بن أرقم: لما نزل قوله تعالى: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: ٢٣٨] أُمِرنا بالسكوت، ونُهينا عن الكلام (٢).

وأنس - رضي الله عنه - لم يقل: لم يزل يقنت بعد الركوع رافعًا صوته بـ «اللهم اهدنا فيمن هديتَ» إلى آخره ويؤمِّن مَن خلفه. ولا ريب أنَّ قولَ: «ربَّنا ولك الحمد، ملءُ السموات وملءُ الأرض، وملءُ ما شئتَ من شيء بعدُ، أهلَ الثناء والمجد، أحقُّ ما قال العبد» (٣) إلى آخر الدعاء والثناء الذي كان يقوله قنوتٌ، وتطويل هذا الركن (٤) قنوتٌ، وتطويل القراءة قنوتٌ، وهذا الدعاء


(١) أخرجه مسلم (٧٥٦) من حديث جابر بن عبد الله، وقد تقدَّم.
(٢) أخرجه البخاري (١٢٠٠) ومسلم (٥٣٩). وسيأتي بأتم من هذا (٣/ ٢٩ - ٣٤).
(٣) أخرجه مسلم (٤٧٧، ٤٧٨)، وقد تقدَّم.
(٤) ما عدا ج: «الذكر»، تصحيف.