قال الشافعي: ولو بكَّر إليها بعد الفجر وقبل طلوع الشمس كان حسنًا. وذكر الأثرم قال: قيل لأحمد بن حنبل: كان مالك بن أنس يقول: لا ينبغي التهجير يوم الجمعة باكرًا، فقال: هذا خلافُ حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -. وقال: سبحان الله! إلى أيِّ شيء ذهب في هذا، والنبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يقول:«كالمُهْدي جَزورًا»؟
قال: وأما مالك، فذكر يحيى بن عمر عن حرملة أنه سأل ابن وهب عن تفسير هذه الساعات: أهو الغدوُّ من أول ساعات النهار، أو إنما أراد بهذا القول ساعات الرَّواح؟ فقال ابن وهب: سألت مالكًا عن هذا، فقال: أما الذي يقع بقلبي فإنه إنما أراد ساعةً واحدةً تكون فيها هذه الساعاتُ، مَن راح في أول تلك الساعة أو الثانية أو الثالثة أو الرابعة أو الخامسة (١). ولو لم يكن كذلك ما صُلِّيت الجمعة حتى يكون النهار تسعَ ساعات، في وقت العصر أو قريبًا من ذلك.
وكان ابن حبيب ينكر قول مالكٍ هذا، ويميل إلى القول الأول، وقال: قولُ مالك هذا تحريفٌ في تأويل الحديث، ومحالٌ من وجوه. قال: وذلك أنه لا تكون ساعات في ساعة واحدة. قال: والشمس إنما تزول في الساعة السادسة من النهار، وهو وقت الأذان وخروج الإمام إلى الخطبة. فدلَّ ذلك على أن الساعات في هذا الحديث هي ساعات النهار المعروفات. فبدأ بأول ساعات النهار، فقال:«مَن راح في الساعة الأولى فكأنما قرَّب بدَنةً». ثم قال في الخامسة:«بيضةً». ثم انقطع التهجير، وحان وقت الأذان. قال: فشرحُ الحديث بيِّن في لفظه، ولكنه حُرِّف عن موضعه، وشُرِح بالخُلْف من القول
(١) في النسخ المطبوعة بعده زيادة: «السادسة» خلافًا للأصول ومصدر النقل. وهو غلط، فإن التهجير ينقطع بعد الخامسة.