للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عيينة في قوله: «يتغنَّى بالقرآن»: يستغني به، فقال: لم يصنع ابن عيينة شيئًا. حدثنا ابن جريج، عن عطاء، عن عبيد بن عمير قال: كانت لداود نبيِّ الله - صلى الله عليه وسلم - مِعْزَفةٌ يتغنَّى عليها، فيبكي ويُبكي. وقال ابن عباس: إنه كان يقرأ الزبور بسبعين لحنًا، يلوِّن (١) فيهن. ويقرأ قراءةً يطرب منها المحموم (٢).

وسئل الشافعي عن تأويل ابن عيينة فقال (٣): نحن أعلم بهذا. لو أراد الاستغناء لقال: «من لم يستغنِ بالقرآن»، ولكن لما قال: «يتغنَّ (٤) بالقرآن» علمنا أنه أراد به التغنِّي.

قالوا: ولأنَّ تزيينَه وتحسينَ الصَّوت به والتطريبَ بقراءته أوقعُ في النفوس، وأدعى إلى الاستماع والإصغاء إليه، ففيه تنفيذٌ للفظه إلى الأسماع ومعانيه إلى القلوب؛ وذلك عون على المقصود. وهو بمنزلة الحلاوة التي تُجعَل في الدواء لتنفِّذه (٥) إلى مواضع الداء، وبمنزلة الأفاويه والطِّيب الذي يُجعَل في الطعام لتكون الطبيعة أعظمَ له قبولًا، وبمنزلة الطِّيب والتحلِّي وتجمُّل المرأة لبعلها ليكون أدعى إلى مقاصد النكاح.

قالوا: ولا بدَّ للنفس من طرب واشتياق إلى الغناء، فعُوِّضت عن طرب الغناء بطرب القرآن، كما عُوِّضت عن كلِّ محرَّم ومكروه بما هو خير لها منه،


(١) هكذا في م، ق مضبوطًا بالتشديد. وفي غيرهما: «يكون»، تصحيف.
(٢) هو المصاب بالحمَّى. وفي مب: «المجموع»، تحريف. ومنها في الميمنية وما بعدها: «الجموع»، تحريف أيضًا.
(٣) روى عنه البيهقي في «السنن الصغير» (٩٨٤)، والمؤلف صادر عن كتاب ابن بطال (١٠/ ٢٦٠).
(٤) م، ق: «يتغنَّى».
(٥) ص، ج: «لتنفيذه».