للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كان إذا غُمَّ هلال شعبان عدَّ ثلاثين يومًا ثمَّ صام (١). وقد رُدَّ حديثها هذا بأنَّه لو كان صحيحًا لما خالفته، وجعل صيامها علَّةً في الحديث، وليس الأمر كذلك، فإنَّها لم توجب صيامه، وإنَّما صامتْه احتياطًا، وفهمتْ من فعل النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وأمره أنَّ الصِّيام لا يجب حتَّى تكمل العدَّة، ولم تفهم هي ولا ابن عمر أنَّه لا يجوز.

وهذا أعدل الأقوال في المسألة، وبه تجتمع الأحاديث والآثار، ويدلُّ عليه ما رواه معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال لهلال رمضان: «إذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غُمَّ عليكم فاقدِروا له ثلاثين يومًا (٢)». ورواه ابن أبي روَّادٍ عن نافع عنه: «فإن غمَّ عليكم فأكملوا العدَّة ثلاثين». وقال مالك وعبيد الله عن نافع عنه: «فاقدِروا له» (٣). فدلَّ على أنَّ ابن عمر لم يفهم من الحديث وجوب إكمال ثلاثين، بل جوازه، وأنه إذا صام يوم الثَّلاثين فقد أخذ بأحد الجائزين احتياطًا. ويدلُّ على ذلك أنَّه - رضي الله عنه - لو فهم من قوله - صلى الله عليه وسلم -: «اقدِروا له تسعًا وعشرين ثمَّ صوموا» كما يقوله الموجبون لصومه، لكان يأمر بذلك أهله وغيرهم، ولم يكن ليقتصر على صومه في خاصَّة نفسه، ولا يأمر به ولا يبيّن (٤) أنَّ ذلك هو الواجب على النَّاس.


(١) تقدم تخريجه.
(٢) «يومًا» ليست في ق، ك، مب.
(٣) رواية معمر عند عبد الرزاق (٧٣٠٧)، ورواية ابن أبي رواد عنده (٧٣٠٦)، ورواية مالك عند البخاري (١٩٠٦) ومسلم (١٠٨٠/ ٣)، ورواية عبيد الله عند مسلم (١٠٨٠/ ٥).
(٤) في المطبوع: «ولبين» خلاف النسخ.