للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن قيل: من أين لكم أنَّ موسى صامه؟

قلنا: ثبت في «الصَّحيحين» أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمَّا سألهم عنه قالوا: يومٌ عظيمٌ أنجى الله فيه موسى وقومه وغرق فيه فرعون وقومه، فصامه موسى شكرًا، فنحن نصومه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «فنحن أحقُّ وأولى بموسى منكم»، فصامه وأمر بصيامه. فلمَّا أقرَّهم على ذلك ولم يكذِّبهم عُلِم أنَّ موسى صامه شكرًا للَّه، فانضمَّ هذا القدر إلى التَّعظيم الذي كان قبل الهجرة، فازداد تأكيدًا حتَّى بعثَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مناديًا ينادي في الأنصار (١) بصومه وإمساكِ من كان أكل، والظَّاهر أنَّه حتَّم ذلك عليهم وأوجبه، كما سيأتي تقريره إن شاء الله.

فصل

وأمَّا الإشكال الثالث، وهو أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصوم يوم عاشوراء قبل أن ينزل فرض رمضان، فلمَّا نزل فرض رمضان تركه، فهذا لا يمكن التَّخلُّص منه إلا بأنَّ صيامه كان فرضًا قبل رمضان، وحينئذٍ فيكون المتروك وجوب صومه لا استحبابه، ويتعيَّن هذا ولا بدَّ، لأنَّه - صلى الله عليه وسلم - قال قبل وفاته بعامٍ وقد قيل له: إنَّ اليهود تصومه: «لئن عشتُ إلى قابلٍ لأصومنَّ التَّاسع» أي معه، وقال: «خالفوا اليهود، صوموا يومًا قبله ويومًا بعده» (٢) أي معه، ولا ريبَ أنَّ هذا كان في آخر الأمر، وأمَّا في أوَّل الأمر فكان يحبُّ موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيءٍ، فعُلِم أنَّ استحبابه لم يُترك.


(١) في المطبوع: «الأمصار»، خطأ.
(٢) تقدم تخريجه.