للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويلزم من قال: إنَّ صومه لم يكن واجبًا، أحدُ الأمرين: إمَّا أن يقول: تُرِك استحبابه فلم يبقَ مستحبًّا، أو يقول: هذا قاله عبد الله بن مسعودٍ برأيه، وخفي عليه استحباب صومه، وهذا بعيدٌ، فإنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - حثَّهم على صيامه، وأخبر أنَّ صومه يكفِّر السَّنة الماضية (١)، واستمرَّ الصَّحابة على صيامه إلى حين وفاته، ولم يَرِدْ (٢) عنه حرفٌ واحدٌ بالنَّهي عنه وكراهة صومه، فعُلِم أنَّ الذي تُرِك وجوبُه لا استحبابه.

فإن قيل: حديث معاوية المتَّفق عليه صريحٌ في عدم فرضيَّته وأنَّه لم يُفرَض قطُّ.

فالجواب: أنَّ حديث معاوية صريحٌ في نفي استمرار وجوبه، وأنَّه الآن غير واجبٍ، ولا ينفي وجوبًا متقدِّمًا منسوخًا، فإنَّه لا يمتنع أن يقال لِما كان واجبًا ونُسِخ وجوبه: «إنّ الله لم يكتبه علينا» (٣).

وجوابٌ ثانٍ: أنَّ غايته أن يكون النَّفي عامًّا في الزَّمان الماضي والحاضر، فيُخَصُّ بأدلَّة الوجوب في الماضي ويُترك النَّفي على استمرار الوجوب.

وجوابٌ ثالثٌ: وهو أنَّه - صلى الله عليه وسلم - إنَّما نفى أن يكون فرضه ووجوبه مستفادًا من جهة القرآن، ودلَّ على هذا بقوله: «إنَّ الله لم يكتبه علينا»، وهذا لا ينفي الوجوب بغير ذلك، فإنَّ الواجب الذي كتبه الله على عباده هو ما أخبرهم بأنَّه كتبه عليهم، كقوله: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة: ١٨٣]، فأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم -


(١) رواه مسلم (١١٦٢/ ١٩٦) من حديث أبي قتادة- رضي الله عنه -، وقد تقدم.
(٢) ق، مب: «يُرْوَ».
(٣) ك: «عليه».