قلت:(نجياً) : حال، أي: انفردوا عن الناس مناجين. وإنما أفرده لأنه مصدر، أو بزنته. و (من قبل ما) :
يحتمل أن تكون مزيدة ومصدرية مرفوعة بالابتداء، أي: تفريطكم في يوسف واقع من قبل هذا. قاله ابن جزي.
وفيه نظر فإن الظرف المقطوع لا يقع خبراً، أوْ منصوبة بالعطف على مفعول (تعلموا) ، أي: لم تعلموا أخذ ميثاق أبيكم، وتفريطكم في يوسف قبل هذا.
يقول الحق جلّ جلاله: فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا أي: يئسوا مِنْهُ من يوسف أن يجيبهم إلى ما دعوه إليه من أخذ أحدهم مكان أخيهم، خَلَصُوا أي: تخلصوا من الناس، وانفردوا عنهم نَجِيًّا متناجين، يناجى بعضهم بعض: كيف وقع للصاع؟ وكيف يتخلصون من عهد أبيهم؟ ثم فسر تلك المناجاة: قالَ كَبِيرُهُمْ في السن، وهو رُوَيْبيل، أو في الرأي، وهو شمعون، وقيل يهوذا: أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَباكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقاً مِنَ اللَّهِ عهداً وثيقاً، وحلفتم له لتأتن بابنه إلا أن يُحاط بكم؟ فكيف تصنعون معه، وَمِنْ قَبْلُ هذا فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ واعتذرتم بالأعذار الكاذبة؟ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ فلن أفارق أرض مصر حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي في الرجوع، أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي: أو يقضي لي بالخروج منها، أو بتخليص أخي منهم قهراً، وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ لأن حكمه لا يكون إلا بالحق.
رُوي أنهم كلموا العزيز في إطلاقه، فقال رويبيل، وقيل: يهوذا: أيها الملك، لتتركن أخانا أو لأصيحن صيحة تضع منها الحوامل، ووقف شعر جسده فخرجت من ثيابه، فقال يوسف لابنه الصغير، واسمه نائل: قم إلى جنبه ومُسَّه، فمسه، وكان بنو يعقوب إذا غضب أحدهم لا يسكن غضبه إلا إذا مسه أحد من آل يعقوب، فلما مسه ولد يوسف عليه السلام سكن غضبه، فقال: من هذا؟ إن في هذا البلد لبذراً من بذر يعقوب.
وقيل: إنهم هموا بالقتال، وقال يهوذا لإخوته: تفرقوا في أسواق مصر، وأنا أصيح صيحة نشق مراريهم، فإذا سمعتم صوتي، فاخربوا يميناً وشمالاً، فلما غضب، وأراد أن يصيح، مسه ولد يوسف فسكن، فلما لم يسمعوا صوته أتوا إليه فوجدوه قد سكن غضبه، فقال: إن هنا بذراً من آل يعقوب.
ثم قال لهم: ارْجِعُوا إِلى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يا أَبانا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ على ما شهدنا من ظاهر الأمر، وَما شَهِدْنا إِلَّا بِما عَلِمْنا بأن رأينا الصاع استُخرج من وعائه. وَما كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ أي: ما كنا