قلت: جواب (لولا) : محذوف، أي: لولا أن تفندون لقلت إنه قريب، أو لصدقتموني.
يقول الحق جلّ جلاله: قال يوسف لإخوته لما عرفوه، وأزال ما بينه وبينهم من الوحشة، وقد أخذ قميصه:
اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هذا، رُوي أن هذا القميص كان لإبراهيم الذي لبسه حين كان في النار، وقيل: ألبسه له جبريل حين خرج من النار، وكان من ثياب الجنة، ثم كان لإسحاق ثم ليعقوب، ثم كان دفعه ليوسف، فكان عنده في حِفَاظ من قصب، وكان في عنقه في الجب، وأمره جبريل بإرساله، وقال: إن فيه ريح الجنة، لا يلقى على مبتلى إلا عوفى. قال ابن عطية: وهذا كله يحتاج إلى سند، والظاهر: إنه قميص يوسف الذي هو منه بمنزلة قميص كل أحد. وبهذا تتبين الغرابة في أن وجد يعقوبُ ريحة من بُعدٍ، ولو كان من قميص الجنة لما كان في ذلك غرابة، ويجده كل أحد. هـ.
قلت: وما قاله لا ينهض لأن ما ظهر من الجنة إلى دار الدنيا لا يبقى على حاله دائماً لأنه من أسرار الغيب، بل لا يجده إلا أهل الذَّوْق من أهل القرب، كنور الحجر الأسود، وغيره مما نزل من الجنة. والله تعالى أعلم.
ثم قال لهم اذهبوا به: فَأَلْقُوهُ عَلى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً أي: يرجع بصيراً، علم ذلك بوحي، أو تجربة من القميص، وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ نسائكم وذارريكم وأموالكم.
وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ من مصر، وخرجت من عمارتها، قالَ أَبُوهُمْ لمن حضره: إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ أوجده الله، ريح ما عَبَق من قميصه حين أقبل إليه به يهوذا من ثمانين فرسخاً لأن يعقوب كان إذ ذاك ببيت المقدس، ويوسف بمصر، لَوْلا أَنْ تُفَنِّدُونِ تنسبوني إلى الفِند، وهو: نُقصان عَقْلِ يحدث من هِرَم. ولذلك لا يقال عجوز مفندة لأن نقصان عقلها ذاتي. أي: لولا أن تحمِّقوني لقلت إنه قريب، أو لصدقتموني في ذلك، أو لولا أن تلوموني، وتردوا عليّ قولي لقلت إنه ريح يوسف. قالُوا أي: الحاضرون: تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ أي: إنك لفي خطئك القديم بالإفراط في محبة يوسف، وإكثار ذكره، وتوقع لقائه.