للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ السحر حتى ينصحاه ويقولا: إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ لكم، واختبار من الله تعالى لعباده، ليظهر من يصبر عنه ومن لا يصبر، وكان تعلمه في ذلك الوقت كفراً. فيقولان له فَلا تَكْفُرْ بتعلُّمه، فكانوا يتعلمون مِنْهُما مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وقدرته، فلا تأثير لشئ إلا بإذن الله، ويتعلمون منهما مَا يَضُرُّهُمْ يوم القيامة وَلا يَنْفَعُهُمْ، ولقد علم بنو إسرائيل أن من اشتراه واستبدله بكتاب الله والعمل بما فيه مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نصيب، وَلَبِئْسَ ما باعوا به حظ أنفسهم من النعيم لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ، لكن لما لم يعملوا بعلمهم كانوا كمن لا علم عنده.

وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا بالله ورسوله وَاتَّقَوْا الكفر والسحر، لأثيبوا ثواباً كبيراً، وكان ذلك خيراً لهم مما استوجبوه من العقاب لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ.

الإشارة: كل من أكَبُّ على دنياه وتتبع حظوظه وهواه، وترك العمل بما جاء من عند الله، يصدق عليه أنه نبذ كتاب الله، واشتغل بما سواه مِن حب الدنيا والرئاسة والجاه، فالدنيا سحارة غرارة، تسحر القلوب وتغيبها عن حضرة علاّم الغيوب وفي الحديث: «اتَقُوا الدُّنْيَا فإنْهَا أسْحَرُ مِنْ هَارُوتَ وَمَارُوتَ» ، ولا شك أنها تفرق بين الأحباب وبين العشائر والأصحاب. ولقد علم من أخذ الدنيا ونعيمها، وأكب عليها ما له في الآخرة من نصيب، فبقدر ما يأخذ من نعيم الدنيا وشهواتها ينقص له من نعيم الآخرة. وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أنفسهم- حيث آثروا الحياةَ الدنيا على الآخرة- لو كانوا يعلمون. ولو أنهم آمنوا بالله، واتقوا كل ما يشغل عن الله لكانوا من أولياء الله، وتلك المثوبة- التي صاروا إليها- خير لو كانوا يعلمون.

قال عبد الواحد بن زيد: سمعت أن جارية مجنونة في خراب الأُبُلَّةِ تنطق بالحِكَم، فطلبتها حتى وجدتها، وهي محلوقة الرأس، وعليها جبة صوف، فلما رأتنى قالت: مَرحباً بك يا عبد الواحد، ثم قالت: يا عبد الواحد ما جاء بك؟

فقلت: تعظينني، فقالت: ووا عجبا لواعظ، يوعظ، يا عبد الواحد.. اعلم أن العبد إذا كان في كفاية، ومال إلى شيء من الدنيا، سلبه الله حلاوة الزهد، وظل حيراناً وَلِهاً، فإن كان له عند الله نصيب عاتبه وَحْياً في سره، فيقول له:

عبدي أردت رفع قدرك عند ملائكتي، وأجعلك دليلاً لأوليائي، ومرشداً لأهل طاعتي، فملت إلى عرض الدنيا وتركتني، فأورثك ذلك الوحشة بعد الأنس، والذل بعد العز، والفقر بعد الغنى، ارجع إلى ما كنت عليه أُرجع إليك ما كنت تعرفه من نفسك. ثم انصرفت عني وتركتني وبقيت حسرتها في قلبي. هـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>