إلى الله تعالى، سائرًا في الخَلْق بالمعونة التامة والسلطان المؤيد المنصور، وكان الخضر على مقدمة جيشه، بمنزلة المستشار الذي هو من الملك بمنزلة الوزير. وقيل: كان ابن خالته. وذكر الأزرقي وغيره أنه أسلم على يد إبراهيم عليه السلام، فطاف معه بالكعبة مع إسماعيل. ورُوي أنه حج ماشيًا، فلما سمع إبراهيم عليه السلام بقدومه تلقاه ودعا له، وأوصاه بوصايا. ويقال: إنه أُتي بفرس ليركب، فقال: لا أركب في بلد فيه الخليل، فعند ذلك سخّر له السحاب، وطوى له الأسفار، فكانت السحاب تحمله وعساكيره وجميع آلاتهم، إذا ارادوا غزو قوم. وسئل عنه علىّ رضي الله عنه:
أكان نبيًا أو ملَكًا- بالفتح؟ فقال: لم يكن نبيًا ولا ملَكًا، ولكن كان عبدًا أحبَّ الله فأحبه الله، وناصَحَ الله فناصحه، فسخر له السحاب، ومدَّ له الأسباب «١» .
وقال مجاهد: ملك الأرض أربعةٌ: مؤمنان وكافران، فالمؤمنان: سليمان وذو القرنين، والكافران: نمرود وبختنصر. هـ.
وأما ذو القرنين الأصغر، وهو الإسكندر اليوناني، فرُوِيَ انه لما مات أبوه جمع مُلْكَ الروم بعد أن كان طوائف، ثم قصد ملوك العرب وقهرهم، ثم مضى حتى أتى البحر الأخضر، ثم عاد إلى مصر، فبنى الإسكندرية وسماها باسمه، ثم دخل الشام وقصد بني إسرائيل، وورد بيت المقدس وذبح في مذبحةٍ، ثم انعطف إلى أرمينية وباب الأبواب، ودان له العراقيون والقبط والبربر، واستولى على ملوك الفرس، وقصد السند وفتحه، وبنى مدينة سرنديب وغيرها، ثم قصد الصين، وغزا الأمم البعيدة، ورجع إلى العراق ومرض ومات.
رُوِيَ أن أهل النجوم: قالوا له: إنك تموت على أرض من حديد، وتحت سماء من خشب، فبلغ بابل، ورعُف، وسقط عن دابته، فبسطت له دروع من حديد، فنام عليها، فآذته الشمس، فأظلوه بترس من خشب، فنظر، فقال: هذه أرض من حديد وسماء من خشب، فمات، وهو ابن ألف وستمائة سنة، وقيل: ثلاثة آلاف، قال ابن كثير: وهو غريب. قلت: والذي لابن عساكر: أنه عاش ستًا وثلاثين سنة، وأنه كان بعد داود وسليمان- عليهما السلام- ثم قال ابن عساكر بعد كلام: وإنما بينّا هذا لأن كثيرًا من الناس يعتقدون أنهما واحد، وأن المذكور في القرآن العظيم هو المتأخر، فيقع بذلك خطأ كبير. كيف لا، والأول كان عبدًا صالحًا مؤمنًا، ملكًا عادلاً، وزيره الخضر عليه السلام، وقد قيل: إنه كان نبيًا، وأما الثاني فقد كان كافرًا، وزيره أرسْطَاطَاليس الفيلسوف، وقد كان بينهما من الزمان أكثر من ألفي سنة، فأين هذا من ذلك؟!. هـ فتأمله مع ما ذكر في اللُباب من تعزيته أمه، مما يدل على إسلامه، قال فيه: لما علم ذو القرنين أن الموت استعجله، دعا بكاتبه، فقال له: اكتب تعزيتي لأمي، بسم الله