الرحمن الرحيم، من الإسكندر ابن قيصر، رفيق أهل الأرض بجسده وأهل السماء بروحه، إلى أمي رومية ذات الصفا، التي لم تتمتع بثمرتها في دار الفناء، وعما قريب تجاوره في دار البقاء، يا أماه أسألك بودك لي وودي لك، هل رأيت لِحَيِّ قرارًا في الدار الدنيا؟ وانظري إلى الشجر والنبات يخضر ويبتهج، ثم يهشم ويتناثر، كأن لم يغنَ بالأمس، وإني قد قرأت في بعض الكتب فيما أنزل الله: يا دنياي ارحلي بأهلِكِ، فإنكِ لستِ لهم بدار، إنما الدنيا واهبة الموت، موروثة الأحزان، مفرقة الأحباب، مخربة العمران، وكل مخلوق في دار الأغيار ليس له قرار. انظر بقية كلامه فيه. ولا يلزم من صحبته أرسطاطاليس أن يكون على دينه. والله تعالى أعلم.
واختُلِفَ في ذي القرنين المذكور في القرآن: هل كان نبيًا أو ملَكًا- بفتح اللام- أو ملِكًا- بالكسر- وهو الصحيح، واختلف في وجه تسميته بذي القرنين فقيل: كان في رأسه أو تاجه ما يشبه القرنين، وقيل: لأنه كان له ذؤابتان، وقيل: لأنه دعا الناس إلى الله عزَّ وجَلَّ، فضُرب بقرنه الأيمن، ثم دعا إلى الله فضرب بقرنه الأيسر، وقيل: لأنه رأى في منامه أنه صعد الفلك فأخذ بقرني الشمس، وقيل: لأنه انقرض في عهده قرنان، وقيل: لأنه سخر له النور والظلمة، فإذا سرى يهديه النور من أمامه، وتحوطه الظلمة من ورائه. هـ.
ثم ذكر الحق تعالى الجواب، فقال: قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ أي: سأذكر لكم مِنْهُ ذِكْراً أي: خبرًا مذكورًا، أو قرآنا يخبركم بشأنه، والسين للتأكيد، والدلالة على التحقق المناسب لمقام تأييده صلى الله عليه وسلم، وتصديقه بإنجاز وعده، لا للدلالة على أن التلاوة ستقع في المستقبل لأن هذه الآية نزلت موصولة بما قبلها، حين سألوه صلى الله عليه وسلم عنه، وعن الروح، وعن أهل الكهف، فقال: غدًا أُخبركم، فتأخر الوحي كما تقدم، ثم نزلت السورة مفصلة.
ثم شرع في تلاوة ذلك الذكر، فقال: إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ أي: مكنا له فيها قوة يتصرف فيها كيف يشاء، بتيسير الأسباب وقوة الاقتدار، حيث سخر له السحاب، ومد له في الأسباب، وبسط له النور، فكان الليل والنهار عليه سواء، وسهل له السير في الأرض، وذللت له طرقها، وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ أراده من مهمات ملكه ومقاصده المتعلقة بسلطانه سَبَباً أي: طريقًا يُوصله إليه من علم، أو قدرة، أو آلة، فأراد الوصول إلى الغرب فَأَتْبَعَ سَبَباً: طريقًا يوصله إليه.
حَتَّى إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ أي: منتهى الأرض من جهة المغرب، بحيث لا يتمكن أحد من مجاوزته، ووقف على حافة البحر المحيط الغربي، الذي فيه الجزاير المسماة بالخالدات، التي هي مبدأ الأطوال على أحد القولين. وَجَدَها أي: الشمس، تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ أي: ذات حمأ، وهو الطين الأسود،