يقول الحق جلّ جلاله: اللَّهُ الواجب الوجود لا يستحق العبادة غيره، فمن عبد غيره فقد أتى بظلم عظيم الْحَيُّ أي: الدائم بلا أول، الباقي بلا زوال الذي لا سبيل عليه للموت والفناء، الْقَيُّومُ أي: دائم القيام بتدبير خلقه في إيصال المنافع ودفع المضار، وجلب الأرزاق وأنواع الارتقاء، لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ السنة:
ما يتقدم النوم من الفتور، والنوم: حالة تعرض للإنسان من استرخاء أعصاب الدماغ من رطوبات الأبخرة المتصاعدة، فتقف الحواس الظاهرة عن الإحساس رأساً.
وتقديم السنَة عليه، على ترتيب الوجود، كقوله تعالى: وَلا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً، وجمع بينهما لأنه لو اقتصر على نفى السنّة عنه لتوهم أن النوم يغلبه لأنه أشد، ولو اقتصر على نفي النوم لتوهم أن السنة تلحقه لخفتها. والمراد تنزيهه تعالى عن آفات البشرية، وتأكيد كونه حيّاً قيوماً، فإن من أخذه نعاس أو نوم يكون مؤوف «١» الحياة، قاصراً في الحفظ والتدبير. ولذلك ترك العطف فيه وفي الجمل التي بعدَه لأنها كلها مقررة له، أي: للحيّ للقيّوم.
وقد ورد أنه اسم الله الأعظم، وقال عليه الصلاة والسلام لفاطمة- رضي الله عنها:«ما مَنَعك أن تَسْمَعي ما أُوصِيك به تَقُولين إذا أصْبَحْتِ وإذا أمْسَيتِ يا حيّ يا قيوم، برحمتِكَ أستغيث أصْلحْ لي شأني كُلَّه، ولا تَكلْني إلى نفْسِي طَرْفَةَ عَيْنِ» . رواه النسائي. وأخرج مسلم عن أبى موسى رضي الله عنه قال:«قَامَ فِينَا رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم بخَمْسِ كلماتٍ قال: إنَّ الله عزّ وجل لا ينامُ، ولا يَنْبَغِي لَهُ أنْ يَنَام، يَخْفِضُ القِسطُ ويَرْفَعُهُ. يُرْفَعُ إلَيْهِ عَمَلُ اللَّيل قَبْلَ عَمَلَ النَّهَارِ وعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ عَملِ اللَّيلِ، حِجَابُهُ النُّورُ- وفي رواية. النَّارُ- لَوْ كَشَفَهُ لأحرقت سُبحات وجهه ما أدركه بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ» .
لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ هذا تقرير لقيوميته تعالى، واحتجاج على تفرده في الألوهية.
والمراد بما فيهما: ما هو أعمُّ من أجزائهما الداخلة فيهما ومن الأمور الخارجة عنهما، المتمكنة فيهما، من العقلاء وغيرهم، فهو أبلغ من (له السموات والأرض وما فيهن) ، يعني: أن الله يملك جميع ذلك من غير شريك ولا منازع، وعبر ب- (ما) تغليبا للغالب.
(١) أف الطعام أوفا وآفة: فسد، والبلاد: أصابتها آفة من قحط أو مرض أو غيرهما.