للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها هو ما فتح على المؤمنين، وغنموه مع النبي صلى الله عليه وسلم وبعده إلى يوم القيامة. والالتفات إلى الخطاب لتشريفهم في مقام الامتنان. فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ المغانم، يعني مغانم خيبر، وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ أي: أيدي أهل خيبر وحُلفاءهم من أسد وغطفان حين جاءوا لنصرتهم، فقذف الله في قلوبهم الرعب فانصرفوا، وقيل: أيدي أهل مكة بالصلح، وَلِتَكُونَ هذه الكفَّة آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وعبرةً يعرفون أنهم من الله بمكان، وأنه ضامن لنصرتهم والفتح عليهم، أو: لتكون آية يعرفون بها صدق الرّسول صلّى الله عليه وسلم من وعده إياهم عند رجوعه من الحديبية بما ذكر من المغانم، ودخول مكة، ودخول المسجد الحرام آمنين. واللام إما متعلقة بمحذوف مؤخر، أي: وليكون آية لهم فعل ما فعل من التعجيل والكف، وإما يتعلق بعلة أخرى محذوفة من أحد الفعلين، أي: فعجَّل لكم هذه وكف أيدي الناس عنكم لتغنموها ولتكون ... الخ، وَيَهْدِيَكُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً أي: يزيدكم بصيرةً ويقيناً وثقةً بوعد الله حتى تثقوا في أموركم كلها بوعد الله تعالى.

قال الثعلبي، ولمّا فتح النبي صلى الله عليه وسلم حصونَ خيبر سمع أهل فدك ما صنع- عليه السلام- بأهل خيبر، فأرسلوا له يسألونه أن يُسيرَهم ويحقن دماءهم، ويخلُّوا له الأموال، ففعل، ثم صالح أهلَ خيبر، على أن يعملوا في أموالهم على النصف، على أنه إن شاء أجلاهم متى شاء «١» ، ففعلوا، فكانت خيبر فيئاً للمسلمين، وكانت فدك خالصة له صلى الله عليه وسلم، إذ لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب، ولما اطمأن صلّى الله عليه وسلم بعد فتح خيبر أهدت له زينب الحارث اليهودية شاة مصليَّة مسمومة، أكثرت في ذراعها السم، فأخذ صلّى الله عليه وسلم الذراع، فأ كل منه، ثم كلّمه، فأمسك، وأ كل معه بشر بن البراء بن معرور، فمات من ساعته، وسلم صلّى الله عليه وسَلِمَ حتى قام عليه بعد سنتين، فمات به، فجُمع له بين الشهادة والنبوة «٢» .

ثم قال تعالى: وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها أي: وعجّل لكم مغانم أخرى، وهي مغانم هوازن في غزوة حنين. ووصفها بعدم القدرة عليها لِمَا كان فيها من الجَوْلة. قَدْ أَحاطَ اللَّهُ بِها قَدَرَ عليها واستولى، وأظهركم عليها، وهي صفة أخرى ل «أخرى» مفيدة لسهولة بأسها بالنسبة إلى قدرته تعالى، بعد بيان صعوبة مَنَالها بالنظر إلى حِذرهم. ويجوز في «أُخرى» النصب بفعل مضمر، يُفسره قَدْ أَحاطَ اللَّهُ بِها، أي: وقضى الله أخرى، ولا ريب في أنَّ الإخبار بقضاء إياها بعد اندراجها في جملة الغنائم الموعودة بقوله: وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً فيه مزيد فائدة، وإنما الفائدة في بيان تعجيلها وتأخير هذه.


(١) حديث مصالحة النبي صلى الله عليه وسلم لأهل خيبر، أخرجه البخاري فى (فرض الخمس، باب ما كان النبي، صلى الله عليه وسلم يعطى المؤلفة قلوبهم وغيرهم من الخمس ونحوه ح ٣١٥٢) ومسلم فى (المساقاة، باب المساقاة والمعاملة بجزء من الثمر والزرع، ح ١٥٥١) عن ابن عمر رضي الله عنه.
(٢) انظر سيرة ابن هشام (٢/ ٣٣٧- ٣٣٨) وتفسير البغوي (٧/ ٣١١) . وحديث أكلة خيبر أخرجه البخاري فى (الهبة، باب قبول الهدية من المشركين، ح ٢٦١٧) ومسلم فى (السّلام، باب السم، ح ٢١٩٠) عن أنس رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>