كعبُ بن الأشرف في أربعين راكباً، فحالف أبا سفيان عند الكعبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر عليه السلام محمدَ بن مسلمة الأنصاري في فتية، فقتل كعباً غيلة، وكان أخاه من الرضاعة، وقد كان عليه السلام اطلع منهم على خائنةٍ ونقض عهدٍ، حين أتاهم ومعه أبو بكر وعمر وعليّ، ليستعينهم في دية الرجلين اللذَين قتلهما عَمرو بنُ أمية الضمري، غلطاً، فأجابوه على ذلك، وأجسلوه تحت الحِصن، وأمروا رجلاً منهم أن يطرح على النبي صلى الله عليه وسلم رَحىً، فنزل جبريلُ فأخذ بيده وأقامه، فرجع إلى المدينة، وأمر المسلمين بالخروج إلى بني النضير، وهم بقريةٍ يقال لها: زهرة، فأمرهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم بالخروج من المدينة، فاستمهلوه عشرة أيام ليتجهزوا للخروج، فدسّ إليهم عبدُ الله بن أُبي وأصحابهُمن المنافقين: لا تخرجوا من الحصن، فإن قاتلوكم فنحن معكم، لا نخذلكم، ولئن خرجتم لَنَخْرُجنَّ معكم، فحصّنوا أسوارَهم، فحاصرهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم إحدى وعشرين ليلة، وأمر بقطع نخلهم، فلما قذف اللهُ في قلوبهم الرعب، وأيسوا من نصر المنافقين، طلبوا الصُلح، فأبى عليهم إلاّ الجلاء، على أن يَحْمِل كلُّ ثلاثة أبياتٍ على بعيرٍ ما شاؤوا من متاعهم، وللنبي صلى الله عليه وسلم ما بقي، فخرجوا إلى الشام، وإلى أذرعات وأريحا، إلاّ بيتين؛ آل أبي الحقيق، وآل حُيَي بن أخطب، فإنهم لحقوا بخيبر، ولحقت طائفة بالحيرة، وذلك قوله تعالى:
{
هُوَ الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب مِن ديارهم} بالمدينة، أي: هو الذي تولّى إخراجهم، لا بسبب فيه لأحد غيره. واللام في قوله:{لأول الحشر} متعلق بأخْرَج، وهو اللام في قوله:{قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي}[الفجر: ٢٤] أي: أخرجهم عند أول الحشر، وكونه أول الحشر؛ لأنّ هذا أول حشرهم إلى الشام، وكانوا مِن سبط لم يُصبهم جلاء قط، وهم أول مَن أُخرج من أهل الكتاب من جزيرة العرب إلى الشام، وآخر حشرهم: إجلاء عُمر إياهم من خيبر إلى الشام، أو: آخر حشرهم: حشر يوم القيامة، قال ابن عباس رضي الله عنه:" مَن شك أنَّ المحشر بالشام فليقرأ هذه الآية " فهم الحشر الأول، وسائر الناس الحشر الثاني. وقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لمّا خرجوا:" امضوا، فإنكم أول الحشر ونحن على الأثر "{ما ظننتم أن يخرجوا} ، لشدة بأسهم، ومَنعَتهم، ووثاقه حصونهم، وكثرة عَددهم وعُدتهم، {وظنوا أنهم مانعتهم حُصُونُهم من الله} أي: ظنوا أنّ حصونهم تمنعهم من بأس الله. والفريق بين هذا التركيب والنظم الذي جاء عليه التنزيل: أنّ في تقديم الخبر على المبتدأ دليلاً على فرط وُثوقهم بحصانتها ومنعها إياهم، وفي مصير ضميرهم اسماً لـ " أن "، وإسناد الجملة إليه، دليل على اعتقادهم في أنفسهم أنهم في عزة ومنعة، لا يُبالَى معها