ثوب وقلنسوته، في حكاية التلميذ، فإذا تمكن من المعرفة خُيِّر، وله يقال:{ما قطعتم من لينة أو تركتموها ... } الآية. وقال القشيري بعد تفسير الظاهر: وفيه دليل على أنَّ الشرع غير مُعَلل، فإذا جاء الأمر الشرعي بَطَلَ طلب التعليل، وسكتَت الألسن عن المطالبة بـ " لِمَ " وخُطورُ الاعتراض والاستقباحِ بالبال خروج عن حدّ العرفان، والشيوخ قالوا: مَن قال لأستاذه: " لِمَ " لا يفلح، وكل مريدٍ يكون لأمثال هذه الخواطر جولان في قلبه لا يجيءُ منه شيء، ومَن لم يتجرّد قلبُه عن طلب الإعلال، ولم يباشِرْ حُسْنَ الرضا بكل ما يجري، واستحسانَ، كل ما يبدو من الغيب من الله سرّه وقلبَه فليس من الله في شيء. هـ. ومثله قول الحِكَم:" ما تَركَ مِن الجهل شيئا مَن أراد أن يُظهر في الوقت غيرَ ما أظهره الله فيه ".
قلت: جملة {وما أفاء} : شرطية معطوفة على مثلها، وهو:{ما قطعتم..} الآية، وكلتاهما إخبار وإعلام، أي: اعلموا أن ذلك القطع والترك كان بإذن الله، وذلك الفيء كان بتسليط الله لا بسعيكم، لكنه لم يُعلم منه كيفية القسمة، فبيّنها بعدُ بقوله:{وما أفاء الله على رسوله ... } الخ، وقيل: غير ذلك على ما سيأتي.
يقول الحق جلّ جلاله:{وما أفاء الله على رسوله منهم} أي: ما أعاده الله من مالهم، وفيه إشعار بأنه كان حقيقاً بأن يكون له صلى الله عليه وسلم، وإنما وقع في أيديهم بغير حق، فردّه الله تعالى إلى مستحقه، لأنه تعالى خلق الناس لعبادته، وخَلَقَ ما خَلَقَ ليتوسَلوا به إلى طاعته، فهو جديرٌ بأن يكون للمؤمنين. {فما أوجفتمْ عليه} أي: فما أجريتم على تحصيله وتغنيمه، من: الوجيف، وهو: سرعة السير، و " مِن " في قوله: {مِن خَيْلَ ولا رِكابٍ} زائدة لتأكيد النفي، أي: فما أجريتم على تحصيله خيلاً ولا ركاباً، وهو ما يركب من الإبل خاصة، كما أنَّ الراكب عندهم راكبها لا غير، وأمّا راكب الفرس فإنما يُسمونه فارساً، ولا واحد لها من لفظها، وإنما الواحد منها: راحلة. والمعنى: ما قطعتم لها شقةً بعيدة، ولا لقيتم مشقة شديدة، وذلك لأن قُراهم كانت على ميلين من المدينة، فمشوا إليها مشياً، وما كان فيهم إلاَّ النبي صلى الله عليه وسلم فَفَتَحَها صُلحاً، كأنه قيل: ما أفاء الله على رسوله فما حصَّلتموه بكد اليمين ولا بعرق الجبين، {ولكنَّ اللهَ يُسَلِّطُ رسلَه على مَن