يشاء} أي: ولكن جرت سنّة الله أن يُسلّط رسلَه على مَن يشاء من أعدائهم، وقد سلّط رسولَه صلى الله عليه وسلم تسليطاً غير معتاد، من غير أن تقتحموا الخطوب، وتُقاسموا شدائد الحروب، فلا حقّ لكم في أموالهم. {واللهُ على كل شيءٍ قدير} يفعل ما يشاء، تارة على الوجوه المعهودة، وأخرى على غيرها.
ثم بيّن قسمة الفيء، فقال:{ما أفاء اللهُ على رسوله من أهل القُرى} ، فلم يدخل العاطف؛ لأنَّ الجملة بيان للأولى، وقيل: الأولى نزلت في أموال بني النضير، وقد جعلها الله لرسوله خاصة، فقسمها على المهاجرين، ولم يُعط الأنصارَ منها، إلاّ لثلاثة، لفقرهم، أبو دُجانة، وسهل بن حنيف، والحارث بن الصمة، والثانية: نزلت في كل قريةٍ فُتحت عنوة، وهو الظاهر، فقال في بيان مصرف الفيء:{فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل} . واختلف في قسمته، فقيل: يُسدس لظاهر الآية، ويُصرف سهم الله إلى عمارة الكعبة وسائر المساجد، وقيل: يُخمس، وذكر الله للتعظيم، ويُصرف سهم الرسول للإمام على قولٍ، وإلى العساكر والثغور على قولٍ، وإلى مصالح المسلمين على قولٍ. وقد تقدّم في سورة الأنفال تحقيقه. وإنما بيّنا قسمته، {كي لا يكون دُولَة} أي: كي لا يكون الفيء الذي حقه أن يكون للفقراء يعيشون به {دُولة بين الأغنياء منكم} أي: يتداوله الأغنياء بينهم، ويختصُّون به. والدولة: ما يدول للإنسان، أي: ما يدور له من الغنى والجدّ والغلبة وغيرها، وقيل: الدولة - بالفتح - من المُلك، وبالضم من المِلك - بالكسر-.
{وما آتاكم الرسولُ} أي: ما أعطاكموه من الفيء أو من الأمر، {فَخُذوه} فاقبلوه، أو: افعلوه، فإنه واجب، {وما نهاكم عنه} أي: عن أخذه، أو عن تعاطيه {فانتهوا} عنه، ولا تطلبوه، أو: لا تفعلوه، لَمَّا خصّ عليه السلام المهاجرين بفيء بني النضير وما حولها من القرى، قالت الأنصار: لنا معهم سهم، فنزلت {واتقوا الله} في مخالفته عليه السلام، {إنَّ الله شديدُ العقاب} لمَن خالف رسولَه صلى الله عليه وسلم، والأحسن: أن يكون عاماً في كل ما جاء به الرسول، والفيء داخل في العموم.
الإشارة: العلم على قسمين؛ علم وهبي إلهي، يفيض على رسول القلب، بمحض الفضل والجود، وهو ما يختص بأسرار الربوبية فهذا يختص به صاحبه، ولا يبذله لغيره إلاّ مَن بذل نفسه له، وإليه تُشير الآية الأولى. وعلم كسبي، يُكتسب بالجد والتشمير في تعلُّمه وأخذه، فهذا يجب بذله لعامة الناس وخاصتهم، وإليه تشير الآية الثانية. وإنما اختص علم السر بأهله كي لا يكون دُولة بين الأغنياء من أهل الظاهر، فيُبتذل ويُشتهر، وهو فساد نظام العالم. وقوله تعالى:{وما آتاكم الرسولُ فخُذوه} قال القشيري: هذا