الإشارة: إذا نُودي لصلاة القلوب في مقام الجمع، من ناحية الداعي إليها، وهم المشايخ العارفون، فاسعوا إلى ذكر الله، ودُوموا عليه باللسان والقلب، ثم بالقلب فقط، ثم بالروح، ثم بالسر، فإنَّ الذكر منشور الولاية، ولا بد منه في البداية والنهاية، قال الورتجبي بعد كلام: الساعي إلى الذكر مقام المريدين، والمحقق في المعرفة غلب عليه ذكر الله إياه بنعت تجلِّي نفسه لقلبه. هـ.
{
وذّرُوا البيع} أي: اتركوا كلَّ ما يشغل عن الله، فلا تتجلى الحقائق إلاّ بعد ترك العلائق، ذلكم، أي: ترك كل شاغل، خيرٌ لكم إن كنتم تعلمون، أي: إن كنتم من أهل العلم بالله فإذا قُضيت الصلاة فانتشروا في الأرض ... الخ، أي: إذا حصل لكم البقاء بعد الفناء؛ فانتشِروا في أرض العبودية، واتسعوا في ميادين البشرية، بالاستمتاع بالشهوات المباحة بالإذن والتمكين، والرسوخ في اليقين، وابتغوا من فضل الله، بالتجارات الرابحة، وهي إرشاد العباد إلى الله، {واذكروا الله كثيرا} أي: في كل شيء وعند كل شيء، برؤية الحق في كل شيء، وإليه تُشير وصيته صلى الله عليه وسلم لمُعاذ بقوله:" واذكر الله عند كل حَجر وشجر ". وقوله تعالى:{وإِذا رأوا تجارة أو لهوا انفضُّوا إِليها} ، قال القشيري: يُشير إلى السالكين المحرومين من الجذبة ـ وهو السالك الأبتر ـ إذا رأوا تجارة، أي: طاعة تُوجب ثواب الآخرة، يقومون إليها، ويَثبون عليها، نظراً إلى ثواب الآخرة، كما قال عليه السلام:" لا تكونوا كالأجير السوء، إن أُعطي عمل، وإن لم يُعطَ لم يعمل "، أو لهواً أطرب النفس برؤية الطاعة واستِلْذَاذها بنظر الخلق إليها، انفضُّوا إليها وتركوك ـ أيها السالك الحقيقي ـ قائماً بعبودية الحق، ومشاهدة قيوميته، قل: ما عند الله من المواهب العالية، والعطايا السنية، خيرٌ من لهو النفس برؤية الغير، ومن التجارات بثواب الآخرة، لقوله تعالى:{فَمَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَآءَ رَبِهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلآ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِهِ أَحَداً}[الكهف: ١١٠] أو: ما عند الله نَقْداً للعارفين من واردات القلوب، وبواده الحقيقية، خير مما يؤمل من الدنيا والآخرة للغافلين، والله خير الرازقين، لإعطائه رزق النفس، وهو الطاعة على المنهاج والشرع، ورزق القلب، وهو الأعمال القلبية، كالزهد والورع والرضا والتسليم والمراقبة، والبسط والقبض، والأُنس والهيبة، ورزق الروح
بالتجليات والمشاهدات، والمعاينات والتنزُّلات، ورزق السر برفع رؤية الغير والغيرية، ورزق الخفاء بالفناء في الله والبقاء به. هـ. قال الورتجبي: فيه تأديب المريدين حين اشتغلوا عن صحبة المشايخ، بخلواتهم وعباداتهم، لطلب الكرامة، ولم يعلموا أنَّ ما يجدون في خلواتهم بالإضافة إلى ما يجدون في صحبة مشايخهم لَهْوٌ. هـ. وهو حق. وبالله التوفيق. وصلى الله على سيدنا محمد، عين عيان التحقيق، وعلى آله وصحبه وسلّم.