أي: ومنا قوم دون ذلك، وهم المقتصدون في الصلاح، غير الكاملين فيه على الوجه المذكور، لا في الإيمان والتقوى، كما يتوهم، فإن هذا بيان لحالهم قبل استماع القرآن، كما يُعرب عنه قوله تعالى:{كنا طرائِقَ قِدداً} أي: مذاهب متفرقة، وأدياناً مختلفة، وأما حالهم بعد استماعهم، فسيحكي بقوله تعالى:{وأنا لَمَّا سمعنا الهدى ... } الخ، أي: كنا قبل هذا ذوي طرائق، أي: مذاهب {قِدَداً} أي: متفرقة مختلفة، جمع قِدّة، من: قَدَّ إذا شقّ، كقِطعة من قطع. قاله أبو السعود.
وقال الثعلبي:{وأنَّا منا الصالحون} السبعة الذين استمعوا القرآن، {ومنا دون ذلك} دون الصالحين، {كنا طرائق قددا} أهواء مختلفة، وفِرقاً شتى، كأهواء الإنس، قيل: وقوله: {وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك} ، يعنون بعد استماع القرآن، أي: منا بررة أتقياء، ومنا دون البررة، وهم مسلمون، وقيل: معناه: مسلمون وغير مسلمين، قال المسيب: كانوا مسلمين ويهوداً ونصارى، وقال السدي:{طرائق قددا} قال: في الجن مثلكم، قدرية، ومرجئة، ورافضة، وشيعة. هـ. والحاصل: أن " دون " صفة لمحذوف، وهي إمّا أن تكون بمعنى الأدون، فيكون الجميع مسلمين، لكنهم متفاوتون، أو بمعنى " غير " فيكون المعنى: منا المسلمون ومنا غير المسلمين، كنا مذاهب متفرقة؛ نصارى ويهود ومجوس كالإنس، والظاهر: أنه قبل استماع القرآن، بدليل ما يأتي في قوله:{وأنَّا لمَّا سمعنا الهُدى ... } الخ.
{وأنَّا ظننا} أي: تيقَّنَّا {أن لن نُّعْجِزَ اللهَ} أي: أن الشأن لن نفوت الله ونسبقه، و {في الأرض} : حال، أي: لن نعجزه كائنين في الأرض أينما كنا فيها، {ولن نُّعجِزَه هَرَباً} : مصدر في موضع الحال، هاربين منها إلى السماء، أي: فلا مهرب منه تعالى إن طلبنا، لا في أرضه ولا في سمائه. {وأنَّا لمَّا سمعنا الهُدى} ؛ القرآن {آمنا به} ؛ بالقرآن، أو بالله تعالى، {فمَن يؤمن بربه فلا يخافُ} أي: فهو لا يخاف {بَخْساً} ؛ نقصاً {ولا رَهَقَا} أي: ولا ترهقه ذلة، كقوله:{وَلآ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلآ ذِلَّةُ}[يونس: ٢٦] ، وفيه دليل على أنَّ العمل ليس من الإيمان، وأنَّ المؤمن لا يخلد في النار.
{
وأنَّا منا المسلمون} ؛ المؤمنون، {ومنّا القاسِطون} ؛ الجائرون عن طريق الحق، الذي هو الإيمان والطاعة، وهم الكفرة {فمَن أسلم فأولئك تَحَروا رَشَداً} ؛ طلبوا هدى. والتحرّي: طلب الأحرى، أي الأَولى، وجمع الإشارة باعتبار معنى " مَن "، {وأمَّا القاسطون} ؛ الحائدون عن الإسلام، {فكانوا} في علم الله {لِجهنم حَطَباً} ؛ وقوداً، وفيه دليل على أنَّ الجنِّي الكافر يُعذّب في النار وإن كان منها، والله أعلم بكيفية عذابه، وقد تقدّم أنّ المشهور أنهم يُثابون على طاعتهم بالجنة، قال ابن عطية: في قوله تعالى: {فمَن أسلم..} الخ، الوجه فيه: أن تكون مخاطبة مِن الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، ويؤيده ما بعده من الآيات. هـ.