للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{فكيف تتقون إِن كفرتم} أي: بقيتم على كفركم {يوماً} أي: عذاب يوم {يجعلُ الوِلْدان} من شدة هوله، وفظاعة ما فيه من الدواهي {شِيباً} جمع أشيب، أي: شيوخاً، إمّا حقيقة، أو تمثيلاً، وذلك أنَّ الهموم والأحزان إذا تفاقمت على المرء ضعفت قواه وأسرع فيه الشيب، فإذا قلنا: هو من باب التمثيل، يكون كقولهم في اليوم الشديد: يوم تشيب فيه نواصي الأطفال، وإذا قلنا حقيقة، فلعله ممن بلغ الحلم، وصَحِبه تفريط، وهذا الوقت الذي يُشيب الولدان هو حين يُقال لآدم عليه السلام: " أخْرِج بعثَ النار من ذريتك ... " الحديث، فـ " يوماً " مفعول بكفرتم، أي: جحدتم، أو: بـ " تتقون "، أي: كيف تتقون عذاب يوم كذا إن كفرتم بالله، أو: ظرف، أي: فكيف لكم التقوى في يوم القيامة إن كفرتم في الدنيا، و " يجعل " صفة ليوم، والعائد محذوف، أي: فيه. {السماءُ مُنفَطِر به} أي: السماء على عِظمها وإحكامها منفطر به، أي: متشققة مِن هوله، فما ظنك بغيرها من الخلائق؟ والتذكير لتأويل السماء بالسقف، أو: لإجرائه على موصوف مذكّر، أي: شيء منفطر، وعبّر عنها بذلك؛ للتنبيه على أنها تبدّلت، حقيقتها، وزال عنها اسمها ورَسمها، ولم يبقَ منها إلا ما يُعبر عنه بشيء. والباء في " به " للآله، يعني: أنها تتفطّر لشِدّة ذلك اليوم وهوله، كما ينفطر الشيء بما يفطر به. {كان وعدُه} بالبعث {مفعولا} لا شك فيه، فالضمير لله عزّ وجل، والمصدر مضاف إلى فاعله أول إلى مفعوله، وهو اليوم، والفاعل هو الله عزّ وجل. {إِنَّ هذه تذكرةٌ} أي: إنَّ هذه الآيات المنطوية على القوارع المذكورة موعظة، {فمَن شاء اتَّخَذِ إِلى ربه سبيلا} أي: فَمن شاء اتعظ بها، واتخذ طريقاً إلى الله تعالى بالإيمان والطاعة، فإنه المنهاج الموصَّل إلى مرضاته.

الإشارة: قال القشيري: فذرني والمكذّبين، القائلين بكثرة الوجود وتعدده. هـ. أي: مع أنه متحد، كما قال الشاعر:

هَذّا الوُجودُ وإن تَعَدَّدَ ظَاهِراً

وحَيَاتكُم ما فِيه إلا أَنْتُمُ

أُولي النِّعمة: الترفُّه، فطلبُ اللذات والتنعُّم شَغَلهم عن التبتُّل، حتى افترقت قلوبُهم وأرواحهم، وأشركوا مع الله غيره، و " مَهِّلْهُم قليلاً " أي: زمن عمرهم؛ لأنه قليل وإن طالت مدته؛ إذ لا فائدة فيه. إنَّ لدينا أنكالاً، أي: قيوداً من العلائق والعوائق تعلقهم وتعوقهم عن الوصول إلى أسرار التوحيد، وطعاماً ذا غُصةٍ يغص الروح عن شراب الحمرة؛ لضيق مسلكه بوجود العوائق، وعذاباً أليماً: البُعد والطرد عن باب حضرتنا وجناب كبريائنا. يوم ترجف أرض البشرية بهزها بذكر الله، وجبال العقل بتجلِّي أنوار الذات، فيصير هباءً منثوراً. {إنَّا أرسلنا إليكم رسولاً شاهداً عليكم} ، وهو الداعي إلى

<<  <  ج: ص:  >  >>