يقول الحق جلّ جلاله:{وَذَرْنِي والمكذِّبينَ} أي: دعني وإيّاهم، وكِلْ أمرَهم إليّ، فإني أكفيكهم، والمراد رؤساء قريش، و " المكذِّبين ": مفعول معه، أو: عطف على الياء. {أُولِي النَّعْمَةِ} أي: أرباب التنعُّم، وهم صناديد الكفرة، فالنَّعمة بالفتح: التنعُّم، وبالكسر: ما يتنعّم به، وبالضم: المسرة. {ومَهِّلْهُمْ قليلاً} أي: إمهالاً قليلاً، أو زمناً قليلاً إلى يوم بدر، أو يوم القيامة.
{إنَّ لَدَيْنا} للكافرين يوم القيامة، {أنكالاً} ؛ قيوداً ثِقالاً، جمع نِكْل، {وجَحيماً} ؛ ناراً محرقة {وطعاماً ذا غُصَّةٍ} الذي ينشب في الحلوق فلا يُساغ، يعني: الضريع والزقوم. {وعذاباً أليماً} ؛ مؤلماً يخلص وجعه إلى القلب. رُوي أنه صلى الله عليه وسلم قرأ الآية فصعق، وعن الحسن: أنه أمْسى صائماً، فأُتي بطعام، فعرضت له هذه الآية، فقال: ارفعه، ووُضع عنده الليلة الثانية فعرضت له، فقال: ارفعه، وكذلك الليلة الثالثة، فأخبر ثابت البناني وغيره، فجاؤوا، فلم يزالوا به، حتّى شرب شربةً من سَّوِيق.
وهذا العذاب واقع {يَوْمَ ترجُف الأرضُ والجبالُ} أي: تتحرّك حركةً شديدة مع صلابتها وارتفاعها، فالظرف منصوب بما في " لدينا " من معنى الفعل، أي: استقر للكفار كذا وكذا يوم ترجف ... الخ. {وكانت الجبالُ كَثِيباً} ؛ رملاً مجتمعاً. من: كثب الشيء إذ جمعه، كأنه فعيل بمعنى مفعول. {مَّهِيلاً} ؛ سائلاً بعد اجتماعه.
{إنَّا أرسلنا إِليكم} يا أهل مكة {رسولاً} وهو محمد صلى الله عليه وسلم {شاهداً عليكم} ؛ يشهد يوم القيامة بما صدر منكم من الكفر والعصيان، {كما أرسلنا إِلى فرعون رسولاً} وهو موسى عليه السلام، {فعصى فرعونُ الرسولَ} الذي أرسلنا إليه، أي: عصى ذلك الرسول؛ لأنَّ النكرة إذا أعيدت معرفة كانت عين الأولى. ومحل الكاف النصب على أنها صفة لمصدر محذوف، أي: أرسلنا إليكم رسولاً فعصيتموه، كما يُعرب عنه قوله تعالى:{شاهداً} إرسالاً كائناً كإرسال موسى لفرعون، فعصاه، {فأخذناه أخذاً وَبيلاً} ؛ شديداً غليظاً. وإنما خص موسى وفرعون؛ لأنَّ خبرهما كان منتشراً بين أهل مكة؛ لأنهم كانوا جيران اليهود.