للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{كذلك} أي: مثل ذلك الفعل الفظيع {نفعل بالمجرمين} أي: بكل مَن أجرم من كل أمة، {ويل يومئذٍ} أي: يوم وقوع الهلاك بهم {للمكذِّبين} بما أوعدنا.

{ألم نَخْلُقْكُمْ من ماءٍ مهينٍ} ؛ حقير، وهو النطفة، {فجعلناه في قرارٍ مكينٍ} أي: مقرّ يتمكّن فيه، وهو الرحم، {إِلى قَدَرٍ معلوم} ؛ إلى مقدار معلوم من الوقت، قدّره اللهُ تعالى في أزله، لا يتقدّم عليه ولا يتأخر عنه، وهو تسعة أشهر في الغالب، أو أكثر أو أقل على حسب المشيئة، {فقدّرنا} ذلك تقديراً لا يتبدل، أو: فَقَدرْنا على ذلك {فَنِعْمَ القادرون} أي: المقدِّرون له نحن، أو: فنعم القادرون على أمثال ذلك، {ويل يومئذ للمُكذِّبين} لقدرتنا على ذلك، أو: على الإعادة، أو: بنعمة الفطرة من النشأة الدالة على صدق الوعيد بالبعث.

{ألم نجعل الأرضَ كِفَاتاً} ؛ ... وجامعة، والكِفَات: اسم ما يَجمع ويضم، من: كَفَتَ شعره: إذا ضمه بخرقة، كالضمام والجماع لما يَضُمّ ويجمع، أي: ألم نجعلها كفاتاً تكفت {أحياءً} كثيرة في ظهرها {وأمواتاً} غير محصورة في بطنها. ونظر الشعبي إلى الجبانة فقال: هذه كِفَاتُ الموتى، ثم نظر إلى البيوت فقال: هذه كِفَات الأحياء. هـ. ولمّا كان القبر كفاتاً كالبيت قُطع مَن سَرق منه. و " أحياء وأمواتاً " منصوبان بـ " كِفاتاً " لأنه في معنى اسم الفاعل، أي: كافتة أحياء وأمواتاً، أو: بفعل محذوف، أي: تكفت على الحال، أي: تكفتهم في حال حياتهم ومماتهم.

{

وجعلنا فيها رواسيَ} ، أي: جبالاً ثوابت {شامخاتٍ} ؛ طوالاً شواهق، ووصْفُ جمع المذكر بجمع المؤنث في غير العقلاء مطرد، وتنكيرها للتفخيم، وللإشعار بأنَّ فيها ما لم يُعرف، {وأسقيانكم ماءً} بأن خلقنا فيها أنهاراً ومنابع {فُراتاً} ؛ عذباً صافياً {ويل يومئذ للمُكذِّبين} بأمثال هذه النِعم العظيمة.

الإشارة: ألم نُهلك الجبابرة الأولين، المتكبرين على الضعفاء والمساكين، ثم نُتبعهم الآخرين، كذلك نفعل بالمجرمين في كل زمان، أو: ألم نُهلك الغافلين المتقدمين والمتأخرين، بموت قلوبهم وأرواحهم، بالانهماك في الشهوات، كذلك نفعل بالطغاة المتكبرين، ويل يومئذ للمكذِّبين الشاكّين في وقوع هذا الوعيد. ألم نخلقكم من مآء مهين حقير؟ فكيف تتكبّرون وأصلكم حقير، وآخركم لحم منتن عقير؟ ولعليّ كرّم الله وجهه: مَا لابن آدم والفخر، وأوله نطفة مذرة، وآخره جيفة قذرة، وهو فيما بينهما يحمل العذرة. هـ. هذا في الصورة البشرية، وأمّا الروح السارية فيها، فأصلها عز وشرف، فمَن غلبت روحُه على بشريته، وعقله على هواه، التحق بالملائكة الكرام في الشرف والنزاهة، ومَن غلبت بشريتُه على روحانيته، وهواه على عقله، التحق بالبهائم في الخسة والدناءة.

<<  <  ج: ص:  >  >>