للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المشبّه به، حين يأخذ في الارتفاع والانبساط، بأن ينشق عن أعداد لا نهاية لها بالجمالات المتكاثرة، فيتصوّر فيها حينئذٍ العِظَم أولاً، والانشقاق مع الكثرة والصُفرة والحركة ثانياً، فيبلغ بالتشبيه إلى الذروة العليا. هـ. من الحاشية.

{

ويل يومئذٍ للمكذّبين} بنارٍ هذه صفتها مع شواهد القدرة على ذلك وعلى أكبر منه، {هذا يومُ لاَ يَنطِقُونَ} ، الإشارة إلى وقت دخولهم النار، أي: هذا يوم لاينطقون فيه بشيءٍ، إمَّا لأنَّ السؤال والجواب والحساب قد انقضت قبل ذلك، ويوم القيامة طويل، له مواطن ومواقيت، فينطقون في وقتٍ دون وقتٍ، فعبّر عن كل وقت بيوم، أو: لا ينطقون بشيءٍ ينفعهم، فإنَّ ذلك كلا نُطق. وقُرىءَ بنصب اليوم، أي: هذا الذي ذكروا وقع يومَ لاَ يَنطِقُونَ، {وَلاَ يُؤذَنُ لهم} في الاعتذار {فيعتذِرُون} : عطف على " يُؤذَن " منخرط في سلك النفي، أي: لا يكون لهم إذن ولا اعتذار يتعقب له، وليس الإذن سبباً للأعتذار وإلاّ لنصب. قال الطيبي عن صاحب الكشف: التقدير: هذا يَوْمُ لاَ يَنطِقُونَ بمنطق ينفعهم، ولا يعتذرون بعذرٍ يدفع عنهم، فـ " يعتذرن " داخل في النفي، ولو حملناه على الظاهر لتَنَاقض؛ لأنه يصير: هذا يَوْمُ لاَ يَنطِقُونَ فيعتذرون؛ لأن الاعتذار نُطق أيضاً. هـ. {ويل يومئذٍ للمكذِّبين} بالبعث وما بعده.

{هذا يومُ الفَصْلِ} بين الحق والباطل، أو: بين المُحق والمُبطل، {جمعناكم} فيه، والخطاب لأمة محمد صلى الله عليه وسلم {والأولينَ} من الأمم، فيقع الفصل بين الخلائق، {فإِن كان لكم كَيْدٌ} هنا كما كان في الدنيا {فكِيدُونِ} فإنَّ جميع مَن كنتم تُقلدون وتقتدُون بهم حاضرون معكم. وهذا تقريع لهم على كيدهم للمؤمنين في الدنيا، وإظهار لعجزهم هناك، {ويل يومئذٍ للمكذِّبين} بهذا، حيث أظهر ألاَّ حِيلة لهم في الخلاص من العذاب.

الإشارة: انطلِقوا إلى ضد ما كنتم به تُكذِّبونن مِن رفع درجات المجتهدين المقربين وسقوط درجة البطالين، فانحطوا إلى نار البُعد والحجاب. وتكذيبهم بذلك هو من حيث لم يعملوا بمقتضاه. انطلقوا إلى ظل الحجاب، ذي ثلاث شُعب، تشعب عليه الحجاب، وانسدل عليه ثلاث مرات، ظِل حجاب الغفلة، وظِل حجاب الهوى، وظِل حجاب حس الكائنات. لا ظليل؛ ليس فيه نسيم القُرب، ولا برد الرضا والتسليم، ولا يُغني من لهب حر القطيعة والبُعد، أو حرّ التدبير والاختيار، إنها ترمي بشررٍ، مَن كان باطنه في نار القطيعة رمَى بشررها على ظاهره، فيظهر منه الغضب والقسوة والغِلظة والفظاظة. قال القشيري: يُشير إلى ما يترتب على هذه الشُعب من الأوصاف البهيمية والسبُعية والشيطانية، وأنَّ كل صفة منها بحسب الغلظة والشدة، كالقصور المرتفعة، والبروج المشيّدة، كأنه جمالات عظيمة الهيكل، طويلة الأثر، صُفر من شدة قوة النارية في ذلك الشرر، وهي القوة الغضبية. ويل يومئذ للمكذِّبين بهذه التشبيهات اللطيفة والإشعارات الظريفة، المنبئة عن الحقائق والدقائق. هـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>