للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: (إذ قالت) : بدل من (وإذ قالت) الأولى، ويبعد إبدالها من (إذ يختصمون) ، و (المسيح) وما بعده: إخبار عن اسمه، أو (عيسى) : خبر عن مضمر، و (ابن مريم) : صفته، و (المسيح) : فعيل بمعنى مفعول، لأنه مُسِحَ من الأقذار، أي: طهر منها، أو مسح بالبركة، أو كان مسيح القدم، لا أخمص له، أو مسحه جبريل بجناحه من الشيطان. أو بمعنى فاعل لأنه كان يمسح المرضى فيبرءون، أو يمسح عين الأعمى فيبصر، أو لأنه كان يسيح في الأرض ولا يقيم في مكان فتكون الميم زائدة.

وأما المسيح الدجّال فإنه ممسوح إحدى العينين، أو لأنه يطوف الأرض ويمسحها، إلا مكة والمدينة، والحاصل:

أن عيسى مسيح الخير، والدجال مسيح الشر، ولذلك قيل: إن المسيح يقتل المسيح. و (وجيهاً) : حال من (كلمة) لتخصيصه بالصفة، و (في المهد وكهلاً) : حالان، أي: طفلاً وكهلاً، والمهد: ما يمهد للصبي. و (رسولاً) : مفعولٌ لمحذوف، أي: ونجعله رسولاً، و (مصدقاً) : عطف على (رسولاً) ، و (لأُحِلَّ) : متعلق بمحذوف، أي: وجئتكم لأُحل.

أو معطوف على معنى مصدقاً، كقولهم: جئتك معتذراً، أو لأطيب قلبك.

يقول الحق جلّ جلاله: (و) اذكر أيضا إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ في بشارتهم لمريم: يا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ، أي: بولد يتكوَّن بكلمة من الله كن فيكون، وقيل: إنما سمى كلمة لكونه مظهراً لكلمة التكوين، متحققاً ومتصرفاً بها. ولذلك كان يظهر عليه خوارق الأقدار أكثر من غيره من الأنبياء، اسْمُهُ الْمَسِيحُ، واسمه عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ، وإنما قال: ابْنُ مَرْيَمَ والخطاب لها، تنبيهاً على أنه يولد من غير أب إذ الأولاد إنما تنسب لأبائها إلا إذا فقد الأب. ثم وصف الولد بقوله: وَجِيهاً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ أي: شريفاً في الدنيا بالنبوة والرسالة، وفي الآخرة بالشفاعة لمن تبعه. ويكون مِنَ الْمُقَرَّبِينَ إلى الله تعالى في الدارين.

وَيُكَلِّمُ النَّاسَ طفلاً فِي الْمَهْدِ على وجه خَرْق العادة في تبرئة أمه، وَكَهْلًا إذا كمل عقله قبل أن يرفع، أو بعد الرفع والنزول، لأن الكهولة بعد الأربعين، والتحقيق: أنه بشرها بنبوة عيسى وكلامه في المهد، معجزةً، وفي الكهولة دعوة قبل الرفع وبعده، وما قارب الشيء يُعطي حكمه، وحال كونه مِنَ الصَّالِحِينَ لحضرة رب العالمين.

ولما سمعت البشارة دهشت وقالَتْ: يا رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ، والخطاب لله، فانية عن الواسطة جبريل، والاستفهام تعجباً، أو عن الكيفية: هل يكون بتزوج أم لا؟ قالَ لها الملك: كَذلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ ما يَشاءُ. أو الأمر كذلك كما تقولين، لكن اللَّهُ يَخْلُقُ ما يَشاءُ لا يحتاج إلى وسائط ولا أسباب، بل إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ، وَيُعَلِّمُهُ الْكِتابَ أي: الكتابة والخط، وَالْحِكْمَةَ أي:

النبوة، أو الإصابة في الرأي، وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>