يقول الحق جلّ جلاله: وَيا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ حواء الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما من ثمارها، وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ التين أو العنب أو الحنطة، فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ لأنفسكما بمخالفتكما، فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ أي: فعل الوسوسة لأجلهما، وهو الصوت الخفي، لِيُبْدِيَ أي: ليظهر لَهُما ما وُورِيَ أي: ما غطى عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما أي: عوراتهما، واللام: للعاقبة، أي: فعل الوسوسة لتكون عاقبتهما كشف عورتهما، وكانا لا يريانها من أنفسهما، ولا أحدهما من الآخر. وفيه دليل على أنَّ كشف العورة، ولو عند الزوج من غير حاجة- قبيح مستهجن في الطباع.
وَقالَ لهما: مَا نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا كراهية أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ. واستدل به من قال بفضل الملائكة على الأنبياء، وجوابه: أنه كان من المعلوم عندهما أن الحقائق لا تنقلب، وإنما كانت رغبتهما فيما يحصل لهما من الغنى عن الطعام والشراب، فيمكن لهما الخلود في الجنة، ولذلك قال: أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ الذين يخلدون في الجنة.
ويؤخذ من قوله تعالى: ما نَهاكُما رَبُّكُما، أن آدم عليه السلام لم يكن ناسيًا للنهي، وإلا لما ذكره بقوله: ما نَهاكُما رَبُّكُما، وقوله في سورة طه: فَنَسِيَ، أي: نسي أنه عدو له، ولذلك ركن إلى نصيحته، وقبل منه حتى تأول أن النهي عن عين الشجرة لا عن جنسها، فأكل من جنسها رغبة في الخلود، ولكنه غره من حيث الأخذ بالظواهر وترك الاحتياط.
ولم يقصد إبليسُ إخراجهما من الجنة، وإنما قصد أسقاطهما من مرتبتهما، وإبعادهما كما بعُد هو، فلم يبلغ قصده ولا أدرك مراده، بل ازداد سخينة عين، وغيظ نفس، وخيبة ظن. قال الله تعالى: ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى «١» ، فصار عليه السلام خليفة لله في أرضه، بعد أن كان جارًا له في داره، فكم بين الخليفة والجار؟