للعباسيين، وانتهى بذلك أمر الفاطميين. ومات نور الدين (سنة ٥٦٩) فاضطربت البلاد الشامية والجزيرة، ودُعى صلاح الدين لضبطها، فأقبل على دمشق (سنة ٥٧٠) فاستقبلته بحفاوة. وانصرف إلى ما وراءها، فاستولى على بعلبكّ وحمص وحماة وحلب. ثم ترك حلب للملك الصالح إسماعيل بن نور الدين، وانصرف إلى عملين جديين: أحدهما الإصلاح الداخلي في مصر والشام، بحيث كان يتردد بين القطرين، والثاني دفع غارات الصليبيين ومهاجمة حصونهم وقلاعهم في بلاد الشام. فبدأ بعمارة قلعة مصر، وأنشأ مدارس وآثارا فيها. ثم انقطع عن مصر بعد رحيله عنها سنة ٥٧٨ إذ تتابعت أمامه حوادث الغارات وصد الاعتداآت الفرنجية في الديار الشامية، فشغلته بقية حياته. ودانت لصلاح الدين البلاد من آخر حدود النوبة جنوبا وبرقة غربا إلى بلاد الأرمن شمالا، وبلاد الجزيرة والموصل شرقا. وكان أعظم انتصار له على الفرنج في فلسطين والساحل الشامي " يوم حطين " الّذي تلاه استرداد طبرية وعكا ويافا إلى ما بعد بيروت، ثم افتتاح القدس (سنة ٥٨٣) ووقائع على أبواب صور، فدفاع مجيد عن عكا انتهى بخروجها من يده (سنة ٥٨٧) بعد أن اجتمع لحربه ملكا فرنسا وانكلترة بجيشيهما وأسطوليهما. وأخيرا عقد الصلح بينه وبين كبير الفرنج ريكارد قلب الأسد Richard Coeur de Lion (ملك انكلترة) على أن يحتفظ الفرنج بالساحل من عكا إلى يافا، وأن يسمح لحجاجهم بزيارة بيت القدس وأن تخرب عسقلان ويكون الساحل من أولها إلى الجنوب لصلاح الدين. وعاد " ريكارد " إلى بلاده.
وانصرف صلاح الدين من القدس، بعد أن بني فيها مدارس ومستشفيات. ومكث في دمشق مدة قصيرة انتهت بوفاته. وكان رقيق النفس والقلب، على شدة بطولته، رجل سياسة وحرب، بعيد النظر، متواضعا مع