للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عقلا، فقد امتنعت سمعا. لكن من أثبتها للنبي صلى الله عليه وسلم له أن يقول إن المتكلم لا يدخل في عموم خطابه» .

قال القاضي: «ولا حجة لمن استدل على منعها بقوله تعالى: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ [الأنعام: ١٠٣] لاختلاف التأويلات في الآية، فقد قيل: المراد بالإدراك الإحاطة، فلا نفي فيها لمطلق الرؤية، وقيل: لا تدركه أبصار الكفّار، وقيل غير ذلك: والجواب الصحيح أنه لا دلالة في هذا النفي على عموم الأوقات ولا حال من الأحوال لأنه مسكوت عنه. فمن أين أن المراد لا تدركه الأبصار في وقت من الأوقات ولا حال من الأحوال؟ بل يتعيّن الحمل على النفي بالنسبة إلى دار الدنيا جمعا بين الأدلة السمعية» .

وقال أبو العباس القرطبي في المفهم: «الأبصار» جمع محلّى بالألف واللام، فيقبل التخصيص، وقد ثبت ذلك سمعا في قوله تعالى: كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ [المطففين: ١٥] فيكون المراد الكفّار، بدليل قوله تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ، إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ [القيامة: ٢٢، ٢٣] قال: فإذا جازت في الآخرة جازت في الدنيا لتساوي الوقتين بالنسبة إلى الرائي» انتهى.

قال الحافظ: «وهو استدلال جيد» .

وقد يستدل بهذه الآية على جواز إمكان الرؤية، إذ لو امتنعت الرؤية لما حصل التّمدّح في الآية بنفي الرؤية، ووجه الملازمة أن الممتنع منتف في حد ذاته، فلا يكون نفيه صفة مدح، لأنه ضروري كالمعدوم الممتنع الرؤية، لا يمدح بعدم رؤيته، إذ لا يكون: «المعدوم لا يرى» تمدحا، لامتناع رؤية المعدوم. وقد ثبت التمدح بنفي عدم رؤيته تعالى فتكون رؤيته ممكنة، والحاصل أن التمدح بنفي عدم الرؤية إنما يكون في إمكان رؤيته تعالى لكنه لا يرى للامتناع وتعذر الإبصار والتحجب بحجاب الكبرياء والجلال لا في أنه لا يرى لامتناع رؤيته تعالى.

لكن الصفات السلبية على هذا، صفات تمدّح، وإن جعلنا الإدراك في الآية عبارة عن الرؤية على وجه الإحاطة بجوانب المرئي وحدوده. فدلالة الآية حينئذ على جواز الرؤية بل على تحققها بالوقوع، أظهر من دلالتها على الجواز بما ذكر من التّمدّح. إذ المعنى على هذا لا تدركه الأبصار، إذ نظرت إليه على وجه الإحاطة، لأنه تبارك وتعالى، مع كونه مرئيا بالأبصار لا تدركه الأبصار على وجه الإحاطة، لتعاليه قطعا عن التناهي وعن الاتصاف بالحدود التي هي النهايات والجوانب على ما تبيّن في كتب الكلام.

والإحاطة بما لا يتناهى محال. ولهذا مزيد بيان يأتي في الكلام على حديث عائشة رضي الله عنها. ومع القول بجوازها في الدنيا، لم يحصل لبشر غير نبينا صلى الله عليه وسلم، على ما في