للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ورأى الدّجّال في صورته رؤية عين لا رؤيا منام، فقيل: يا رسول الله كيف رأيته؟ فقال:

«رأيته فيلمانيا أقمر هجان إحدى عينيه قائمة كأنها كوكب دري، كأن شعر رأسه أغصان شجرة، أشبّهه بعبد العزى بن قطن» [ (١) ] . ورأى عمودا أبيض كأنه لؤلؤة، تحمله الملائكة، فقال:

ما تحملون؟ قالوا: عمود الإسلام، أمرنا أن نضعه بالشام. وبينا يسير إذ دعاه داع عن يمينه: يا محمد، أنظرني أسألك. فلم يجبه. فقال: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا داعي اليهود، أما إنك لو أجبته لتهوّدت أمّتك. وبينا هو يسير إذ دعاه عن شماله: يا محمد أنظرني أسألك، فلم يجبه، فقال: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا داعي النصارى، أما إنك لو أجبته لتنصّرت أمّتك.

وبينا هو يسير، إذا بامرأة حاسرة عن ذراعها وعليها من كل زينة خلقها الله تعالى.

فقالت: يا محمد أنظرني أسألك، فلم يلتفت إليها، فقال: ما هذه يا جبريل؟ قال: تلك الدنيا، أما إنك لو أجبتها لاختارت أمتك الدنيا على الآخرة. وبينا هو يسير فإذا هو بشيء يدعوه متنحيا عن الطريق، يقول: هلمّ يا محمد، فقال جبريل، سر يا محمد، فقال: من هذا؟ هذا عدو الله إبليس، أراد أن تميل إليه. وسار فإذا هو بعجوز على جانب الطريق، فقالت: يا محمد أنظرني أسألك، فلم يلتفت إليها، فقال: من هذه يا جبريل؟ قال: أنه لم يبق من الدنيا إلا ما بقي من عمر هذه العجوز. وبينا هو يسير إذ لقيه خلق من خلق الله، فقالوا: السلام عليك يا أوّل، السلام عليك يا آخر، السلام عليك يا حاشر، فقال جبريل: اردد السلام، فردّ، ثم لقيه الثانية فقال له مثل ذلك، ثم لقيه الثالثة فقال له مثل ذلك. فقال: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: إبراهيم وموسى وعيسى.

ومرّ على، موسى وهو يصلي في قبره الكثيب الأحمر، رجل طوال سبط آدم كأنه من رجال شنوءة، وهو يقول يرفع صوته: أكرمته وفضّلته، فدفع إليه، فسلّم عليه فردّ عليه السلام، وقال: من هذا معك يا جبريل؟ فقال: هذا أحمد، فقل: مرحباً بالنبي العربيّ الذي نصح لأمته ودعا له بالبركة وقال: سل لأمتك اليسر.

فساروا فقال: يا جبريل من هذا؟ قال: هذا موسى بن عمران، قال: ومن يعاتب؟ قال:

يعاتب ربّه. قال: أو يرفع صوته على ربه؟ قال جبريل أن الله تعالى قد عرف له حدّته ثم مرّ برجل قائم يصلي قال: من هذا معك يا جبريل قال جبريل: هذا أخوك محمد، فرحب به ودعا له ببركة فقال: سل لأمتك اليسر، فقال من هذا يا جبريل: قال هذا أخوك عيسى. ومرّ على شجرة كان ثمرها السرح، تحتها شيخ وعياله، فرأى مصابيح وضوءا. فقال: من هذا يا جبريل؟ قال:

هذا أبوك إبراهيم. فسلّم عليه فردّ عليه السلام. وقال: من هذا معك يا جبريل؟ قال: هذا ابنك


[ (١) ] أخرجه مسلم بنحوه ٤/ ٢٢٥٠ وأحمد في المسند ١/ ١٧٤.