للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يكون صلى الله عليه وسلم رآهما من ذلك الموضع كما يقال رأيت الهلال من منزلي من الطاق والمراد من موضع الطاق، الوجه الثاني: أن يكون مثّل له صورتهما في عرض الحائط، والقدرة صالحة لكليهما. الثاني: أن يكون صلى الله عليه وسلم عاين أرواحهم هناك في صورهم. الثالث: أن يكون الله عز وجل لما أراد الإسراء بنبينا رفعهم من قبورهم لتلك المواضع إكراما لنبيه عليه السلام وتعظيما له حتى يحصل له من قبلهم ما أشرنا إليه من الأنس والبشارة وغير ذلك مما لم نشر إليه ولا نعلمه نحن، وإظهارا له عليه الصلاة والسلام القدرة التي لا يغلبها شيء ولا تعجز عن شيء وكل هذه الأوجه محتملة ولا ترجيح لأحدها على الآخر لأن القدرة صالحة لكلها.

وقال ابن القيم في كتاب الروح «الأرواح قسمان: أرواح معذّبة وأرواح منعّمة، فالمعذّبة في شغل بما هي فيه من العذاب عن التزاور والتلاقي. والأرواح المنعّمة المرسلة غير المحبوسة تتلاقى وتتزاور وتتذاكر ما كان منها في الدنيا وما يكون من أهل الدنيا، فتكون كل روح معها رفيقها الذي هو على مثل عملها. وروح نبينا صلى الله عليه وسلم في الرفيق الأعلى. قال تعالى: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً [النساء: ٦٩] وهذه المعيّة ثابتة في الدنيا وفي دار البرزخ وفي دار الجزاء والمرء مع من أحب.

ثم ذكر حديث أبي هريرة: «لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم لقي إبراهيم وموسى وعيسى فتذاكروا أمر الساعة» . الحديث. قال: فهذا نص في تذاكر الأرواح العلم، وقد أخبر الله تعالى عن الشهداء أنهم أحياء عند ربهم يرزقون وأنهم يستبشرون بنعمة من الله وفضل هذا يدل على تلاقيهم من ثلاثة أوجه: أحدها أنهم أحياء عند الله وإذا كانوا أحياء عند الله فهم يتلاقون.

الثاني: أنهم إنما يستبشرون بإخوانهم لقدومهم عليهم ولقائهم لهم. الثالث: أن لفظ يستبشرون يفيد في اللغة أنهم يبشّر بعضهم بعضا مثل يتباشرون وقد تواترت المرائي بذلك فذكر عدة منامات. ثم قال: وقد جاءت سنّة صريحة بتلاقي الأرواح وتعارفها. قال ابن أبي الدنيا:

حدثني محمد بن عبد الله بن بزيغ أنبأنا الفضيل بن سليمان النميري حدثنا يحيى بن عبد الرحمن بن أبي أنيسة عن جده قال: لما مات بشر بن البراء بن معرور- بمهملات- وجدت أم بشر عليه وجدا شديدا، فقالت: يا رسول الله أنه لا يزال الهالك يهلك من بني سلمة، فهل يتعارف الموتى فأرسل إلى بشر بالسلام؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نعم والذي نفسي بيده يا أم بشر، إنهم ليتعارفون كما يتعارف الطير في رؤوس الشجر» .

وذكر الحديث وآثارا تؤيد ذلك، ثم قال: «والروح ذات قائمة بنفسها تصعد وتنزل وتتصل وتنفصل وتخرج وتذهب وتجيء، وتتحرك وتسكن، وعلى هذا أكثر من مائة دليل قد ذكرناها في كتابنا: معرفة الروح والنفس، وبيّنّا بطلان ما خالف هذا القول من وجوه كثيرة، وأن من قال