للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لأبي بكر: «أخرج من عندك» . فقال أبو بكر: لا عين عليك إنما هما ابنتاي، وفي لفظ: أهلك.

قال: «إن الله قد أذن لي في الخروج والهجرة» . فقال أبو بكر: «الصحبة يا رسول الله» . قال:

«نعم» . قالت عائشة: «فو الله ما أن أحدا يبكي من الفرح حتى رأيت أبا بكر يبكي يومئذ» .

قال أبو بكر: «يا رسول الله خذ إحدى راحلتيّ هاتين» . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بالثّمن، لا أركب بعيرا ليس هو لي» . قال: فهو لك. قال: «لا ولكن بالثمن الذي ابتعتها به» . قال «أخذتها بكذا وكذا» . قال «أخذتها بذلك» . قال: هي لك. وعند البخاري في غزوة الرجيع أنها الجدعاء، وأفاد الواقدي أن الثمن ثمانمائة. واستأجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رجلا من بني الدّيل وهو من بني عبد بن عديّ هاديا خرّيتا- والخرّيت الماهر بالهداية- قد غمس حلفا في آل العاص بن وائل السهمي وهو على دين كفّار قريش- وأسلم بعد ذلك- فأمناه فدفعا إليه راحلتيهما وواعداه غار ثور بعد ثلاث ليال براحلتيهما صبح ثلاث.

قالت عائشة: فجهّزنا هما أحثّ الجهاز وصنعنا لهما سفرة في جراب. وأفاد الواقدي أنه كان في السّفرة شاة مطبوخة. قالت عائشة: فشقّت أسماء بنت أبي بكر قطعة من نطاقها- وفي لفظ قطعت نطاقها قطعتين فأوكت بقطعة منه الجراب وشدّت فم القربة بالباقي فسمّيت ذات النطاق وفي لفظ النّطاقين.

وعند البلاذري إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن لها نطاقين في الجنّة» [ (١) ]

فسميت ذات النطاقين.

قال ابن إسحاق: وأعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا بخروجه وأمره أن يتخلف بعده بمكة حتى يؤدي عنه الودائع التي كانت عنده للناس وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بمكة أحد عنده شيء يخشى عليه إلا وضعه عنده لما يعلم من صدقه وأمانته» . قالت عائشة: «ولحق رسول الله صلى الله عليه وسلم بغار في جبل ثور» . وفي حديث عمر عند البيهقي أنهما خرجا ليلا. وذكر ابن إسحاق والواقدي أنهما خرجا من خوخة في ظهر بيت أبي بكر.

وروى أبو نعيم عن عائشة بنت قدامة إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لقد خرجت من الخوخة متنكرا فكان أول من لقيني أبو جهل فأعمى الله عز وجل بصره عنّي وعن أبي بكر حتى مضينا» .

قالت أسماء: «وخرج أبو بكر بماله خمسة آلاف درهم» . قال البلاذري: «وكان مال أبي بكر يوم أسلم أربعين ألف درهم، فخرج إلى المدينة للهجرة وماله خمسة آلاف أو أربعة، فبعث ابنة عبد الله فحملها إلى الغار» .

قالت: «فدخل علينا جدّي أبو قحافة وقد ذهب بصره فقال: «والله إني لأراه قد فجعكم بماله مع نفسه» . قالت: «قلت: كلّا يا أبت إنه قد ترك لنا خيرا كثيرا» . قالت: «فأخذت أحجارا فوضعتها في كوّة في البيت، كان أبي يضع ماله فيها، ثم وضعت عليها ثوبا، ثم أخذت بيده


[ (١) ] أخرجه البخاري ٦/ ١٥٠ (٢٩٧٩) .