للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقلت: يا أبت ضع يدك على هذا المال. قالت: فوضع يده عليه. فقال: لا بأس إن كان ترك لكم هذا فقد أحسن، وفي هذا بلاغ لكم. ولا والله ما ترك لنا شيئا ولكن أردت أن أسكّن الشيخ بذلك» .

وفي حديث عند البيهقي إن أبا بكر رضي الله عنه لما خرج هو ورسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الغار، جعل أبو بكر يمشي مرّة أمام النبي صلى الله عليه وسلم، ومرة خلفه ومرة عن يمينه ومرة عن شماله، فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال: «يا رسول الله أذكر الرّصد فأكون أمامك وأذكر الطّلب فأكون خلفك، ومرة عن يمينك ومرة عن يسارك لآمن عليك، فلما انتهينا إلى فم الغار قال أبو بكر: والذي بعثك بالحق لا تدخله حتى أدخله قبلك، فإن كان فيه شيء نزل بي قبلك» .

فدخله فجعل يلتمس بيده، فجعل كلما دخل جحرا قام إلى ثوبه فشقّه ثم ألقمه الجحر حتى فعل ذلك بثوبه أجمع: فبقي جحر» فوضع عقبيه عليه، ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعلت الحيّات يلسعن أبا بكر رضي الله عنه وجعلت دموعه تنحدر.

وروى ابن أبي شيبة وابن المنذر عن أبي بكر أنهما لما انتهيا إلى الغار إذا جحر فألقمه أبو بكر رجليه. قال: «يا رسول الله إن كان لدغة أو لسعة كانت بي» . وروى ابن مردويه عن جندب بن سفيان قال: «لما انطلق أبو بكر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الغار قال أبو بكر: يا رسول الله لا تدخل الغار حتى أستبرئه. فدخل أبو بكر الغار فأصاب يده شيء فجعل يمسح الدم عن إصبعه ويقول

هل أنت إلا أصبع دميت ... وفي سبيل الله ما لقيت

وفي حديث أنس عند أبي نعيم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أصبح قال لأبي بكر «أين ثوبك» ؟ فأخبره بالذي صنع فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه فقال: «اللهم اجعل أبا بكر معي في درجتي في الجنة» . فأوحى الله إليه: «قد استجاب الله تعالى لك» [ (١) ] .

وروى ابن سعد وأبو نعيم والبيهقي وابن عساكر عن أبي مصعب المكي قال: «أدركت أنس بن مالك، وزيد بن أرقم، والمغيرة بن شعبة يتحدثون إن النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الغار أمر شجرة- وفي رواية عند قاسم بن ثابت: أنبت الله شجرة الرّاءة، فنبتت في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسترته، وبعث الله العنكبوت فنسجت ما بينهما فسترت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمر الله حمامتين وحشيتين فوقفتا في فم الغار، وأقبل فتيان قريش من كل بطن بعصيّهم وهراويهم وسيوفهم، حتى إذا كانوا من النبي صلى الله عليه وسلم على أربعين ذراعا، جعل بعضهم ينظر في الغار فلم ير إلا حمامتين وحشيتين بفم الغار، فرجع إلى أصحابه، فقالوا له: ما لك؟ قال: رأيت حمامتين وحشيتين فعرفت أنه ليس فيه


[ (١) ] أخرجه أبو نعيم في الحلية ١/ ٣٣ وذكره السيوطي في الجامع الكبير (٩٣٣٨) .