فقالوا: لرجل من أسلم فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر فقال: «سلمنا إن شاء الله» . فأتاه أبي وحمله على فحل من إبله وبعث معه غلامه مسعود» . وروى أبو يعلى والطبراني والحاكم والبيهقي وأبو نعيم عن قيس بن النعمان قال:«لما انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر مستخفين مرّوا بعبد يرعى غنما فاستسقياه اللبن فقال: ما عندي شاة تحلب، غير أن ههنا عناقا حملت أوّل الشتاء وقد أخدجت وما بقي لها من لبن فقال: «ادع بها» ، فدعا بها، فاعتقلها النبي صلى الله عليه وسلم ومسح ضرعها حتى أنزلت. ودعا أبو بكر بمجن، فحلب وسقى أبا بكر، ثم حلب فسقى الراعي، ثم حلب فشرب، فقال الراعي: من أنت؟ فوالله ما رأيت مثلك قط. قال:«أو تراك تكتم علي حتى أخبرك؟ قال: نعم. قال: «فإني محمد رسول الله» . قال: أنت الذي تزعم قريش أنك صابئ؟ قال:«إنهم ليقولون ذلك» . قال: فأشهد أنك نبيّ الله وأشهد أن ما جئت به حقّ، وأنه لا يفعل ما فعلت إلا نبيّ» .
وروى البيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر مدخله المدينة:«أله عنّي الناس فإنه لا ينبغي لنبي أن يكذب» .
فكان أبو بكر إذا سئل: من أنت؟ قال:
باغ، وإذا قيل: من الذي معك؟ قال: هاد يهديني» . وروى البخاري عن أنس رضي الله عنه قال:
«أقبل النبي صلى الله عليه وسلم وهو مردف أبا بكر، وأبو بكر شيخ، والنبي صلى الله عليه وسلم شاب لا يعرف، فيلقى الرجل أبا بكر فيقول: من هذا بين يديك؟ فيقول: هذا الذي يهديني السبيل فيحسب الحاسب إنما يعني الطريق وإنما يعني سبيل الخير» .
وروى الزبير بن بكار في الموفقيات، وأبو نعيم عن طريق شهر بن حوشب عن ابن عباس عن سعد بن عبادة قال:«لما بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة العقبة، خرجت إلى حضرموت لبعض الحاجة فقضيت حاجتي ثم رجعت حتى إذا كنت ببعض الأرض نمت ففزعت من الليل فإذا بصائح يقول:
أبا عمرو تأوّبني السّهود ... وراح النّوم وانقطع الهجود
ثم صاح آخر: «يا خرعب، ذهب بك اللّعب، إن أعجب العجب بين مكّة ويثرب» . قال:
وما ذاك يا شاهب؟ قال:«نبيّ السلام، بعث بخير الكلام، إلى جميع الأنام، فأخرج من البلد الحرام، إلى نخيل وآطام» ثم طلع الفجر فذهبت أتفكر فإذا عظاية [ (١) ] وثعبان ميتان، فما علمت إن النبي صلى الله عليه وسلم هاجر إلا بهذا الحديث» .
ولما شارف رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة لقيه أبو عبد الله بريدة بن الحصيب الأسلمي في
[ (١) ] العظاية السام الأبرص. انظر النهاية ٣/ ٢٦٠.