للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

دونه بركة ضخمة، وجعلت فيها اثني عشر مخرجا على عدة أنهار يفتحونها إذا احتاجوا إلى الماء، وإذا استغنوا سدّوها، فإذا جاء ماء المطر اجتمع إليه ماء أودية اليمن فاحتبس السّيل من وراء السّدّ، فأمرت بالباب الأعلى ففتح فجرى ماؤه في البركة، فكانوا يستقون من الباب الأعلى ثم من الثاني ثم من الثالث فلا ينفد الماء حتى يرجع الماء من السنة المقبلة، فكان السيل يأتيهم من مسيرة عشرة أيام حتى يستقر في واديهم فيجتمع الماء من تلك السيول والجبال في ذلك الوادي. وكان السّد فرسخا في فرسخ بناه لقمان الأكبر العاديّ وقيل سبأ بن يشجب، ومات قبل إكماله فأكمله ملوك حمير.

«وكان أولاد حمير بن سبأ وأولاد كهلان بن سبأ سادة اليمن في ذلك الزمان وكان كبيرهم عمرو مزيقياء بن عامر ماء السماء، وكانت زوجة عمرو يقال لها طريفة، من حمير وكانت كاهنة، فولدت له ثلاثة عشر ولدا: ثعلبة أبو الأوس والخزرج، وحارثة والد خزاعة، وجفنة والدغسّان- وقيل فيهم غير ذلك- وولدت له وداعة وأبا حارثة والحارث وعوفا وكعبا ومالكا وعمرانا هؤلاء أعقبوا كلّهم والثلاثة الباقون لم يعقبوا. وكان لعمرو مزيقياء من القصور والأموال ما لم يكن لأحد فرأى أخوه عمران وكان كاهنا أن قومه سيمزّقون وتخرب بلادهم فذكره لعمرو. ثم أن طريفة الكاهنة سجعت له بما يدل على ذلك فقال: وما علامته؟ قالت:

إذا رأيت جرذا يكثر في السّدّ الحفر، ويقلب منه بيديه الصّخر [فاعلم أن قد وقع الأمر] .

«فلما غضب الله تعالى عليهم وأذن في هلاكهم دخل عمرو بن عامر فرأى جرذا تنقل أولادها من بطن الوادي إلى أعلى الجبل فقال: ما نقلت هذه أولادها من ههنا إلا وقد حضر أهل هذه البلاد عذاب فخرقت ذلك العرم فنقبت نقبا، فسال الماء من ذلك النّقب إلى جنبه فأمر بذلك النّقب فسدّ، فأصبح وقد انفجر بأعظم مما كان، فأمر به أيضا فسدّ، ثم انفجر بأعظم مما كان فلم يترك فرجة بين حجرين إلا أمر بربط هرّة عندها فما زاد الأمر إلا شدّة، وكان الجرذ يقلب بيديه ورجليه الصّخرة ما يقلبها خمسون رجلا. فلما رأى ذلك دعا ابن أخيه فقال: إذا جلست العشيّة في نادي قومي فائتني فقل: علام تجلس على مالي؟ فإني سأقول لك: ليس لك عندي مال ولا ترك أبوك شيئا وإنك كاذب. فإن كذّبتك فكذّبني واردد على مثل ما قلت لك، فإذا فعلت ذلك فإني سأشتمك إذا أنت شتمتني وإن أنا لطمتك فالطمني. قال: ما كنت لأستقبلك بذلك يا عم. قال: بلى فافعل فإني أريد بذلك صلاحك وصلاح أهل بيتك. فقال الفتى: نعم، حيث عرف رأي عمرو. فجاء، فقال ما أمره به حتى لطمه فتناول الفتى عمّه فلطمه. فقال الشيخ: «يا معشر بني فلان أألطم فيكم؟ لا سكنت في بلد لطمني فيه فلان أبدا، من يبتاع مني؟» فلما عرف القوم منه الجدّ أعطوه، فنظر إلى أفضلهم عطيّة فأوجب له البيع،