ضمير الأمر والحديث، فكأنه قال: إن الحديث من كل ما يخلق الله يختار، فالأعمال إذا كلها من خلق الله، قد اختار منها ما شاء، قال سبحانه: وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ.
وقوله:«قد سماه الله خيرته من الأعمال» ، يعني الذكر وتلاوة القرآن [لقوله سبحانه:
«ويختار» فقد اختاره من الأعمال] . وقوله:«والمصطفى من عباده» : أي سمّى المصطفى من عباده بقوله تعالى: اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ [الحج ٧٥] ويجوز أن يكون معناه المصطفى من عباده أي العمل الذي اصطفاه منهم واختاره من أعمالهم، فلا تكون «من» على هذا للتبعيض، إنما تكون لابتداء الغاية، لأنه عمل استخرجه منهم لتوفيقه إياهم، والتأويل الأول أقرب مأخذا. والله أعلم بما أراد رسوله» .
وقوله في أول الخطبة:«إن الحمد الله أحمده» ، هكذا برفع الدال [من قوله: الحمد لله] وجدته مقيدا مصححا عليه، وإعرابه ليس على الحكاية، ولكن على إضمار الأمر، كأنه قال:«إن الأمر الذي أذكره» ، حذف الهاء العائدة على الأمر كي لا يقدم شيئاً في اللفظ من الأسماء على قوله:«الحمد لله» . وليس تقديم «إن» في اللفظ من باب تقديم الأسماء لأنها حرف مؤكد لما بعده مع ما في اللفظ من التحري للفظ القرآن والتيمن به والله أعلم.
الثاني: اختلف في تسمية اليوم بذلك، مع أنه كان اتفاقا يسمى في الجاهلية:
«العروبة» - بفتح المهملة وضم الراء وبالموحدة- قلت: قال أبو جعفر النّحّاس في كتابه:
«صناعة الكتابة» : لا يعرفه أهل اللغة إلا بالألف واللام إلا شاذا، ومعناه اليوم المبيّن المعظم من أعرب إذا بين. فقيل: سمي بذلك لأن الخلائق جمعت فيه، ذكره أبو حذيفة البخاري في المبتدأ عن ابن عباس، وإسناده ضعيف. وقيل: لأن خلق آدم جمع فيه.
وروى الإمام أحمد والنسائي وابن خزيمة وابن أبي حاتم عن سلمان رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم:«أتدري ما يوم الجمعة؟» قلت: الله ورسوله أعلم. قالها ثلاث مرات. قال في الثالثة:«هو اليوم الذي جمع فيه أبوكم آدم» .
الحديث، وله شاهد عن أبي هريرة رضي الله عنه، رواه ابن أبي حاتم بإسناد قوي، والإمام أحمد مرفوعاً بإسناد ضعيف. قال الحافظ:«وهذا أصحّ. ويليه ما رواه عبد الرزاق عن ابن سيرين بسند صحيح إليه، في قصة تجميع الأنصار، مع أسعد بن زرارة. وكانوا يسمون يوم الجمعة يوم العروبة، صلّى بهم فيه وذكّرهم فسمّوه يوم الجمعة حين اجتمعوا إليه» . وقيل:«سمي بذلك لاجتماع الناس للصلاة فيه» . وبهذا جزم ابن حزم فقال: إنه اسم إسلامي لم يكن في الجاهلية وإنما كان يسمى العروبة. وفيه نظر، فقد قال أهل اللغة: إن العروبة اسم قديم كان للجاهلية، وقالوا: الجمعة هو يوم العروبة. والظاهر أنهم غيّروا الأيام السبعة بعد أن كانت: أوّل وأهون وجبار ودبار ومؤنس وعروبة وشيار.